كيف كانت نظرة الألمان إلى الشرق، وكيف ومتى ولماذا تطورت؟
يقدم الكتاب قراءة بانورامية لمدرسة الاستشراق الألماني وهي واحدة من أعرق مدارس الاستشراق الأوربية وأكثرها رصانة وحرفية، نشأت في ظلال عصر التنوير الأوربي الذي أنتج مدرسة النقد النصي للكتاب، وهو ما امتد بطبيعة الحال لنقد كل ما وصل إلى الأوربيين من علوم ومعارف ومنها الكتب والمعارف العربية الإسلامية. رافق هذا الحراك الفكري، نهضة صناعية وتوسعات استعمارية قدمت إلى الشرق واحتلت بلدانه، وكانت ألمانيا من جملة الطامحين والطامعين إلى حجز نصيب من غنيمة الشرق، ومثَّل هذا مرحلةً مفصليةً في التعامل مع الشرق، ثم مرت مياه كثيرة في النهر أثناء الحربين العالميتين وما تخللهما من أحداث أدت إلى قيام دولة إسرائيل والتي أعلنت ألمانيا التزامها أخلاقيًا نحوها في مفارقة مع انسحابها أخلاقيًّا من أي التزام مع العالم العربي، وكانت هذه محطة جديدة في العلاقات الألمانية الإسلامية، ثم حدثت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعرف العالم معها أنه يستشرف زمنًا جديدًا ينبغي أن تبنى فيه العلاقات على أسس مختلفة، فكانت هذه مرحلة أخرى جديدة.
يهدف هذا الكتاب عبر توقفه عند نماذج من كل هذه المحطات إلى استعراض نشأة وتطور الرؤية الألمانية إلى المشرق العربي وإلى العالم الإسلامي، فيبدأ لنا بداية من تيودور نولدكه الذي طبّق في كتابه الأشهر عن القرآن الكريم مناهج مدرسة النقد النصي للكتاب المقدس، وأرسى قواعد لم يزل العلم الغربي كله يتعامل مع القرآن من خلالها، ثم يستعرض الكتاب بعد ذلك جهودَ كثير من المستشرقين الألمان شريطة أن يكونوا ممثلين لرؤى محددة تشير إلى دور محدد وإلى مرحلة رأى المحرر أنها دالة تحمل بصمة تاريخ بعينه، وفي النهاية يصل إلى جهود المستشرقين المعاصرين الأحياء في زمننا المعاصر ومنهم من يدين بالإسلام مثل نافيد كرماني.
ترجم الكتاب واختار مقالاته وحررها الأستاذ الدكتور أحمد هويدي، وهو خير من يتصدى لعمل بمثل هذه الأهمية، فهو قد درس اللغة العبرية والدراسات اليهودية في جامعة القاهرة واستكمل دراسته في جامعة برلين حيث عمل إدوارد ساخاو أحد أهم المستشرقين الألمان؛ وبالتالي فهو درس الشرق هنا ودرس الاستشراق هناك، ولذا أتت مقالاته مختارة بعناية ومعبرة عن هذه المحطات بدقة كبيرة.
قدم للكتاب الدكتور أحمد عبد السلام وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية سابقًا، والباحث بالمعهد الألماني للدراسات الشرقية ببيروت ومدير النشر الحالي لإصدارات المركز.
