إذا كنتِ شابة سوداء محجبة في الولايات المتحدة، فإن مواجهة الشرطة قد تكون أكثر من مجرد لحظة عابرة؛ إنها تجربة محفوفة بالتوتر، تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من العنصرية ورهاب الإسلام. هذه هي حياة نساء مثل أمينة عبد الله، الناشطة في لوس أنجلوس، التي تروي كيف أُوقفت ذات ليلة أثناء عودتها من مسجد الحي. “كنت أرتدي حجابي، وكان واضحًا أنني مسلمة. الشرطي لم يطلب رخصتي فقط، بل بدأ يسألني عن سبب وجودي في المنطقة، كأنني لا أنتمي إليها”، تقول أمينة. هذه التجربة ليست استثنائية، بل جزء من نمط يعيشه المسلمون السود في أمريكا، حيث يواجهون تمييزًا مضاعفًا بسبب لون بشرتهم وديانتهم.
خلفية تاريخية واجتماعية
المسلمون السود يشكلون حوالي 20-25% من المسلمين في الولايات المتحدة، وفقًا لتقديرات معهد بيو للأبحاث (2017، مع تحديثات غير رسمية حتى 2025). لكن تأثيرهم يتجاوز الأرقام. منذ ستينيات القرن الماضي، لعب المسلمون السود، مثل مالكوم إكس ومحمد علي، دورًا محوريًا في حركات الحقوق المدنية، مستلهمين من الإسلام كأداة للمقاومة ضد العنصرية. اعتنق الكثيرون الإسلام كوسيلة لاستعادة هويتهم الثقافية، التي سُلبت خلال قرون العبودية، حيث كان ما يُقدّر بنحو 30% من الأفارقة المستعبدين مسلمين.
في 2025، لا يزال الإسلام يمثل رمزًا للتحدي. يقول الدكتور خالد بيومي، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة ميشيغان: “الإسلام بالنسبة للسود الأمريكيين ليس مجرد دين، بل هو تعبير عن الكرامة والمقاومة ضد سردية الفوقية البيضاء”. لكن هذا الاختيار يأتي بثمن، حيث يواجه المسلمون السود تمييزًا مزدوجًا: عنصرية ضد السود، ورهاب إسلام يستهدف المسلمين بشكل عام.
تفاقم العنصرية ورهاب الإسلام
في عام 2024، سجل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) رقمًا قياسيًا بلغ 8,658 شكوى من التمييز ضد المسلمين، بزيادة 7.4% عن 2023، وهو الأعلى في تاريخ المنظمة. تضمنت الشكاوى حالات عنف، مثل محاولة إغراق طفلة فلسطينية أمريكية في تكساس، وضرب رجل مسلم في نيويورك. لكن المسلمين السود يواجهون تحديات إضافية. تقول سارة جمال، مديرة جمعية “التعاونية المسلمة ضد العنصرية” (Muslim ARC): “السود المسلمون غالبًا ما يُنظر إليهم كتهديد مزدوج. لون بشرتهم يجعلهم أهدافًا للشرطة، وحجابهم أو لحيتهم تجعلهم مشبوهين كإرهابيين محتملين”.
تشير بيانات CAIR إلى أن التوترات المتعلقة بالحرب في غزة منذ أكتوبر 2023 ساهمت في تصاعد رهاب الإسلام، خاصة ضد المسلمين الذين يعبرون عن آراء مناهضة للسياسات الإسرائيلية. هذا التصاعد أثر بشكل خاص على المسلمين السود، الذين غالبًا ما يشاركون في حركات مثل “حياة السود مهمة” (BLM)، التي تدعم قضايا العدالة الاجتماعية، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
تجربة الشرطة والعنف المؤسسي
تظل الشرطة مصدر قلق رئيسي للمسلمين السود. في 2024، أفادت CAIR أن 7.5% من شكاوى التمييز تتعلق بجرائم الكراهية، بما في ذلك عنف الشرطة. تروي نادية محمد، وهي معلمة في شيكاغو، كيف أُوقفت ابنها البالغ من العمر 16 عامًا بسبب “مظهره المشبوه” أثناء عودته من صلاة الجمعة. “لم يكن يحمل شيئًا سوى مصحفه، لكنهم عاملوه كمجرم”، تقول نادية. هذه الحوادث تعكس تاريخ الشرطة كأداة للقمع، حيث نشأت أجهزة الشرطة الأمريكية في القرن التاسع عشر كدوريات لمراقبة العبيد.
السود يشكلون حوالي 13% من سكان الولايات المتحدة، لكنهم يمثلون 38% من السجناء، وفقًا لإحصائيات مكتب العدل الأمريكي (2023). بالنسبة للمسلمين السود، تضيف الهوية الدينية طبقة أخرى من الاستهداف. برامج المراقبة الحكومية، مثل “برنامج الزحف على المساجد” في نيويورك (2001-2011)، استهدفت المسلمين بشكل غير متناسب، مع تركيز خاص على المجتمعات السوداء والعربية.
لماذا الإسلام؟
يعتنق العديد من السود الأمريكيين الإسلام كشكل من أشكال المقاومة الثقافية والروحية. في السجون، حيث يشكل المسلمون 17-20% من السجناء، يتحول الكثيرون إلى الإسلام بحثًا عن معنى وانضباط. يقول الإمام عمر سليمان: “الإسلام يقدم إطارًا أخلاقيًا يعزز الكرامة في مواجهة الظلم”. لكن هذا التحول غالبًا ما يُنظر إليه كتهديد من قبل السلطات، مما يؤدي إلى مراقبة إضافية.
في الوقت نفسه، يواجه المسلمون السود تمييزًا داخل المجتمعات المسلمة المهاجرة. تقول سارة جمال: “هناك عنصرية داخلية في بعض المساجد التي يديرها مهاجرون، حيث يُعامل السود كأنهم أقل أهمية”. هذا التوتر يعكس تحديات بناء وحدة بين المسلمين الأمريكيين.
إنجازات وتحديات
على الرغم من التحديات، حقق المسلمون السود تقدمًا. في 2024، انضمت ولاية كارولاينا الشمالية إلى سبع ولايات أخرى في الاحتفال بشهر التراث المسلم الأمريكي. كما دعمت CAIR مشروع قانون في كاليفورنيا (SB 309) لضمان حقوق السجناء المسلمين في ارتداء الملابس الدينية. لكن التحديات مستمرة، خاصة مع عودة السياسات التمييزية المحتملة في ظل إدارة ترامب الثانية (2025)، مثل تهديدات بتوسيع حظر السفر على المهاجرين من دول ذات أغلبية مسلمة.