إن المتأمل للوضع الإسلامي الحالي لا يخالجه شك أن هذا الجيل من الإسلاميين بتنوع واختلاف أطيافهم؛ قد بلغوا حالة من الوعي الكامل للتفريق بين مرحلة تقديم الضحايا والدماء والزنازين والتي استمرت لقرن من الزمان، وبين فقه إقامة دولة والتمكين لها.
فعقلية الصدام السياسي أو العسكري إلى ما لا نهاية قد تنتج أبطالاً وضحايا لكنها لن تقيم دولة أبداً ما لم يترجم أولئك الأبطال تضحياتهم تلك إلى مشروع قائم بذاته في أرض الواقع.
وهذا التحول في حقيقته هو تطور بنيوي كبير في الفلسفة الاجتماعية للإسلاميين، ومن الطبيعي للغاية -بل هو الأصل- في مثل هذه التحولات الكبرى أن يكتنفها الخطأ والخلل والعوار، مما يستلزم نخبة قوية قادرة على التصويب والتوجيه للتجربة برمتها، بحيث تمثل تلك النخب العقل الواعي للقادة والجماهير على حد سواء.
وربما تنضح هذه المرحلة عن أخرى تالية لها هي أكثر خبرة وأقوم رشداً.