رواية “رجال في الشمس” – غسان كنفاني
أولاً: الفكرة العامة:
رواية “رجال في الشمس” (1963) هي صرخة مأساوية تختزل النكبة الفلسطينية ومآلاتها، وتجسّد رحلة التيه والاغتراب والخذلان. تتناول الرواية عبر ثلاثة شخصيات فلسطينية مختلفة الأعمار والخلفيات، رحلة الهروب من البؤس في المخيمات إلى “الحلم الخليجي”، حيث يواجهون الموت في صهريج شاحنة بلا مقاومة تُذكر، في لحظة مفجعة من الصمت والعجز، لتكون النهاية هي بداية السؤال الوجودي الأكبر: “لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟”
ثانياً: أهمية الرواية وشهرتها:
رجال في الشمس تعد من أهم الأعمال الأدبية العربية في القرن العشرين، وقد أصبحت بمثابة أيقونة في أدب المقاومة. شهرتها نابعة من قدرتها على الربط بين المأساة الفلسطينية، والوجود الإنساني في أقسى تجلياته. تحولت إلى فيلم سينمائي (1972) من إخراج بسام الملا، وتُدرّس في الجامعات كنص رمزي سياسي ونفسي وأدبي متكامل.
ثالثاً: فصول الرواية والشخصيات:
تنقسم الرواية إلى فصول تحمل أسماء الشخصيات الثلاث:
1- أبو قيس – الرجل المسنّ، يحمل وجع النكبة في قلبه، يبحث عن الكرامة والدفء بعد عمر من الانكسارات.
2- أسعد – شاب مندفع، يهرب من واقع لا يطيقه، ويمثل جيل ما بعد النكبة الذي لا يحمل ذكراها لكنه يرزح تحت تبعاتها.
3- مروان – الفتى الأصغر، ضحية أسرة مفككة، يجسد أملًا مكسورًا في مستقبل لم يولد.
ينضم الثلاثة إلى سائق شاحنة يُدعى أبو الخيزران، ويوافقون على العبور إلى الكويت مختبئين في خزان ماء فارغ داخل شاحنته أثناء عبور الحدود، ليموتوا في نهاية الرحلة خنقًا من الحر والعطش والصمت.
رابعاً: الرمزية والإسقاط السياسي:
الخزان: يرمز إلى الصمت العربي، القهر، و”التواطؤ الخفي” ضد المظلومين.
أبو الخيزران: يمثل النخبة المهزومة، مناضل سابق عاجز، يعيش دور الوسيط بين الهزيمة والطموح.
الشخصيات الثلاث: إسقاط على أجيال فلسطينية فقدت بوصلة الوطن والكرامة، كل منهم يرمز إلى طبقة أو مرحلة اجتماعية وسياسية.
الموت بصمت: ليس موتًا جسديًا فقط، بل هو موت معنوي للأمل، والقدرة على المقاومة، والكرامة.
خامساً: أهم المقولات:
“لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟” – صرخة مدوية، اختزلت وجع الرواية وجعلتها خالدة.
“إنهم يموتون بصمت، ولا أحد يسأل لماذا.”
“كانوا ثلاثة رجال في الشمس، ولم يصرخوا.”
سادساً: لماذا تعدّ من درر القص العربي الحديث؟
لأنها تجاوزت السرد التقليدي إلى كتابة “الرمز المقاوم”.
لما فيها من توتر درامي، وإحكام سردي، ومشهدية خالدة تنتهي بالصمت.
لأنها أوصلت، عبر الحكاية البسيطة، رسالة وطنية وإنسانية عميقة عن اللجوء والهوية والخيانة الجماعية.
أسلوب كنفاني فيها جمع بين الشاعرية والمرارة، وبين الواقعية والفلسفة الوجودية.
“رجال في الشمس” ليست مجرد رواية، بل بيان أدبي موجع في وجه التاريخ العربي الحديث، وسؤال مفتوح لا يزال يتردد صداه:
هل لا يزال رجالٌ في الشمس لا يقرعون جدران الخزان؟
غسان كنفاني (1936–1972):
غسان كنفاني هو كاتبٌ، صحفي، روائي، وقاص فلسطيني يُعدّ أحد أبرز أعلام الأدب المقاوم في القرن العشرين. وُلد في عكا عام 1936، وتهجّر مع أسرته إلى لبنان ثم سوريا بعد نكبة 1948، وهو التهجير الذي ترك أثرًا عميقًا في أدبه، فصار اللجوء والنكبة والمقاومة محاور ثابتة في كتاباته.
درس كنفاني الأدب العربي في جامعة دمشق، ثم انتقل إلى العمل في الصحافة بالكويت ولبنان، حيث تولّى رئاسة تحرير مجلة “الهدف” التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أصبح ناطقها الإعلامي الرسمي.
كان كنفاني عضوًا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية، واغتيل في بيروت يوم 8 يوليو 1972 بتفجير سيارته من قبل الموساد الإسرائيلي، في عملية استهدفت صوته وقلمه لا بندقيته.
رغم حياته القصيرة (36 عامًا)، ترك كنفاني إرثًا أدبيًا ونضاليًا خالدًا، جمع فيه بين الفن والفكر والنضال، وأصبح أدبه يُدرّس في الجامعات، ويُعتبر مرجعًا في أدب القضية الفلسطينية.
من أبرز أعماله:
رجال في الشمس (1963)
ما تبقّى لكم
عائد إلى حيفا
أرض البرتقال الحزين
أم سعد
مقالاته السياسية والأدبية الكثيفة، التي جمعت بعد وفاته.
مكانته:
غسان كنفاني لم يكن مجرد روائي، بل صوت أمة، وضمير قضية، وواحد من أنبل الأقلام التي قاتلت بالكلمة حتى الموت.