الرواية: الطاغية
المؤلف: خالد خليفة (سوريا)
النوع الأدبي: رواية سياسية نفسية/واقعية سريالية
سنة النشر: 2023
عدد الصفحات: 272 صفحة تقريبًا
رواية الطاغية.. استبدادٌ من الداخل لا من الأعلى فقط
ليست الطاغية رواية عن حاكم مستبد يبطش برعيّته، بل هي نصّ أدبي شديد الذكاء يتقصّى أثر الطغيان في النفوس قبل أن يتقصاه في الأنظمة. ليست رواية سياسية مباشرة، وإنما عمل سردي متعدد الطبقات، يصوّر كيف يصبح الخوف أسلوب حياة، وكيف يتحوّل الطغيان إلى ثقافة تسكن تفاصيل الحياة اليومية: في الأسرة، وفي الحب، وفي العمل، وفي الصمت.
يضعنا خالد خليفة، أحد أبرز روائيي سوريا المعاصرين، في قلب منظومة أمنية تحكم بلدًا عربيًا لا يُسمى، لكنه شديد الشبه بسوريا. البلد غير محدد، لكن الطاغية حاضر في كل سطر. ليس حضورًا شخصيًا دائمًا، وإنما شعورًا، ظلاً، فكرة، سُلطة غير مرئية، لكنها تسكن كل ما حولنا.
مضمون الرواية: حين نصير الطغاة بأنفسنا
تدور الرواية حول شخصية الرائد سامي، ضابط يعمل في أحد الأجهزة الأمنية. سامي ليس “الشرّير” التقليدي الذي نتوقعه في روايات عن الديكتاتورية، بل هو نتاج هذه المنظومة. رجل عاشقٌ لفتاةٍ مستحيلة، ممزقٌ بين واجباته الرسمية وماضيه البسيط، بين هشاشته الإنسانية وأقنعته الحديدية.
مع تصاعد الأحداث، تبدأ الرواية في تفكيك شخصية سامي بعمق: نراه عاشقًا، وجلادًا، مترددًا، خائفًا، قاتلاً، وضحية. وهو ما يجعل النص ثريًا في منطقه النفسي، بعيدًا عن الأحكام القطعية.
من خلال سامي، يرينا خليفة كيف يتم ترويض الإنسان في ظل الأنظمة الشمولية، ليس فقط عبر التعذيب، بل عبر تحويله إلى قطعة في آلة أكبر منه، يُطلب منه أن ينفّذ الأوامر ويخاف من الحياة كما يخاف من الموت.
الطغيان.. أكثر من نظام سياسي
الرواية تنزع الطاغية من قصره وتضعه في داخلنا، في تربيتنا، في صمتنا الطويل، في بحثنا عن الخلاص الفردي على حساب الجماعي، في القبول بالذل باسم الأمن. تقول الرواية إن الطغاة لا يولدون في القصور، بل يُربَّون في البيوت، ويُغذَّون بالسكوت، ويكبرون في ضمير الأمة قبل أن يعتلوا المنابر.
في أحد المواضع، يقول السارد:
“لم نحتج لطاغية جديد، كنا نكفي أنفسنا، نرعب أنفسنا، نُراقب أنفسنا.”
الأسلوب السردي: بين السريالية والواقعية
خالد خليفة يستعمل أسلوبًا سرديًا يمتزج فيه الواقعي بالسريالي، ويتلاعب بالزمن والوعي والكوابيس. اللغة شاعرية في كثير من مواضعها، لكنها حادة وصريحة حين يلزم الأمر. لا يروي الأحداث فقط، بل يخلق مناخًا خانقًا يضع القارئ في حالة من التوتر الدائم، وكأنّه يعيش داخل سردابٍ لا نهاية له.
تتخلل الرواية مشاهد أشبه بالحلم، بل بالهذيان، تذكّرنا بأسلوب كافكا، حيث لا شيء واضحًا تمامًا، لكن كل شيء حقيقي.
أهم الفصول والمواقف
فصل التحقيق: حيث يُستعرض كيف يُنزع الإنسان من إنسانيته تحت وهم الأمن.
فصل الحب المحرَّم: علاقة سامي بامرأة من عالم مختلف، تكشف هشاشته ككائن يحب لكنه لا يقدر أن يحمي.
فصل المواجهة الأخيرة: حين يلتقي سامي بمن يمكن أن يُسمى “الطاغية الحقيقي”، لكنه لا يجده شخصًا، بل جدارًا من الوهم، مرآة يرى فيها نفسه.
اقتباسات بارزة من الرواية
“لقد كنت أرتجف من فكرة أن أكون حرًّا. لقد تعلّمت أن الطاعة تُريح القلب.”
“كلنا نكذب، لكن الطغاة وحدهم يُجبرون الآخرين على تصديق الكذبة.”
“الحب في زمن الطغيان لعبة خاسرة. إما أن تنسى، أو أن تُؤذي من تحب.”
خالد خليفة.. الروائي الذي تحدّى الصمت
وُلد خالد خليفة في حلب عام 1964، ودرس القانون في جامعة حلب.
مات في 30 سبتمبر 2023 (59 سنة) بمدينة دمشق
بدأ حياته الأدبية كشاعر ثم كتب للدراما السورية، وكان من ألمع كتّاب المسلسلات في التسعينيات.
عرفه القارئ العربي بفضل رواياته الجريئة التي عالجت قضايا المسكوت عنه في المجتمعات العربية، من القمع السياسي إلى الكبت الاجتماعي والديني.
من أبرز أعماله:
مديح الكراهية (2006) – تناولت بداية العنف الديني في سوريا.
لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة (2013) – عن الذاكرة والخوف والخراب في حلب.
الموت عمل شاق (2016) – رواية عن الحرب والسفر بالجثة في بلاد مزّقتها الحرب.
تُرجمت أعماله إلى أكثر من 15 لغة.
رحل في يونيو 2023، وترك وراءه إرثًا أدبيًا نادرًا، ونصوصًا تواجه الخوف بلا تردد.
رسالة الرواية: لا خلاص ما لم نطرد الطاغية الذي يسكننا
في النهاية، لا تقول رواية الطاغية إن الطغيان ينتهي بموت الطاغية، بل تحذّر من أن “الطاغية الحقيقي” هو الذي ينجو دائمًا، لأنه يسكن داخل الناس، لا فوق رؤوسهم.
إنها ليست فقط رواية عن سوريا، بل عن كل مكان شهد استبدادًا طويلًا، وشارك الناس فيه إما خوفًا أو صمتًا أو تصفيقًا. عمل أدبي عميق يستحق القراءة، لا فقط لفهم الواقع، بل لفهم أنفسنا أيضًا.