علمتني تجارب الحياة أن كثيراً من الناس هم أعداء ما يجهلون، وأكثر منهم؛ هم أتباع ما تهوى أنفسهم ويرغبون!
وهاتان خصيصتان يتعامل المرء معهما تقريباً في كل يوم عدة مرات؛ ويحار في مدى انسياق الناس مع تلك الطبائع مهما بدت معوجة ومنحازة.
أرسل لي مرة شاب صغير -كما يبدو من رسالته- يستفتيني في والده تارك الصلاة؛ أكافر هو أليس كذلك!
وواضح من سؤاله أنه لا يحب والده، كما أنه استبق الفتوى المنشودة -من رجل يقال له سلفي- بتكفير والده بالفعل، فهو إنما يأخذ ختماً سريعاً لتوثيقها مني فحسب!
فأجبته بأن الجمهور على عدم كفر تارك الصلاة، وأن مفهوم الترك؛ أن يطبق عليه مطلقاً فلا يصلي جمعة ولا جماعة ولا عيداً ولا جنازة، كما قال السادة العلماء.
ثم فوجئت بنفس الغر يتبجح ويشنع بهذا الكلام الذي ظنه جهلاً ممن أفتى به، لأنه خلاف ما يسمع من جماعة كفر يكفر كافر فهو كفور؛ ليل نهار كالببغاوات!
وكتبت مرة مقالاً يتناول قاعدة أصولية غاية في الأهمية في واقعنا وهي قاعدة “انفكاك الجهة”؛ فأرسل إلى أحدهم كلاماً لأحمق مطاع -وإن على نطاق ضيق- إذ يستمع إليه بعض الصغار والبسطاء ويروج عندهم سوقه؛ يقول: أن الصواب في كلمتين على السريع كده لأننا مش في درس أصول فقه!
وهو لم يحضر ولو درساً واحداً في الأصول -ولا غيره ربما- لأنه عالم وشيخ بالفطرة والموهبة ولا يحتاج إلى ذلك بطبيعة الحال.
ويكأن الأيام العجاف تلقي في طريقك بحمر مستنفرة فرت من قسورة؛ فهذا ينهق وذاك يرفس!
فالواجب على من لا يعلم أن يتعلم، وعلى من يسمع أو يقرأ شيئاً جديداً أو غريباً عليه؛ أن يبحث ويسأل ويقرأ، لا أن يجادل أو يهاجم ما يجهل، فقد يكون ما يعاديه هو الحق والصواب؛ خاصة أنه أعرف الناس بجهله وبما درس أو لم يدرس، وفي أي فن أو علم من العلوم، وبالتالي مدى أهليته للنظر والتصدر!