مختار محمود يكتب: الضمير الغائب في الدفاع عن الإيجار القديم!

يأثبتت الأزمة المثارة بشأن مشروع الحكومة المصرية لتعديلات قانون الإيجار القديم أن «الضمير» لدي عدد كبير من النواب والإعلاميين والمشتبكين بالمشهد العام «مرفوع من الخدمة»، وأن المنفعة الشخصية -وحدها- هي المحرك الوحيد لهم؛ حتى لو اصطدمت بالآراء الشرعية وبأحكام المحكمة الدستورية العليا، وبمصالح ملايين المضارين والمقهورين؛ وهو ما يجعلهم دائمًا وأبدًا موضع شك وموطن ريبة وانتقاص!
أحكام قضائية عديدة وفتاوى شرعية كثيرة أجمعت على فساد قانون الإيجار القديم، ولكن ذوي الهوى يحتشدون في خندق الدفاع عن الباطل بجرأة غريبة تتماهى مع طبائعهم غير السويَّة!
الجلسات الأولية التي عقدها مجلس النواب مطلع الشهر الجاري؛ لمناقشة مشروع الحكومة، كشفت عن غياب المنطق السليم في مناقشة أمر يهم ملايين الأشخاص الذين تشبعوا ظلمًا، وبعضهم مات كمدًا، والبعض الآخر لا يجد ما يسد به جوعه ويجوب الشوارع؛ بحثًا عن لقيمات يقمن صلبه، وهو –على الورق- من ذوي الأملاك!
اللافت في الأمر..
أن النواب الذين تظاهروا ضد مشروع الحكومة لأول مرة في تاريخهم النيابي الطويل والممتد، إنما فعلوا ذلك؛ حفاظًا على مصالح شخصية بحتة، وهو ما يطعن في تجردهم ونزاهتهم، ويكشف بجلاء أنهم لم يكونوا يومًا نوابًا عن الشعب، ولكن عن أنفسهم وشبكات مصالحهم وأقاربهم وأنسابهم.
أحد هؤلاء النواب..
والدته وحماته يقطنان في شقتين فارهتين بمنطقة وسط القاهرة، نظير جنيهات قليلة لا تكفي لشراء علبة تونة، ويخشى من تفعيل القانون؛ فيكون مضطرًا لاستقبالهما في قصره المنيف بأحد التجمعات السكنية الجديدة بالعاصمة.
نائب آخر
يستأجر مقرًا كبيرًا لمشروعه الخاص بقلب القاهرة بجنيهات زهيدة جدًا؛ ومن ثم يُحذر من تطبيق القانون، ويتطاول على الحكومة للمرة الأولى في تاريخه غير الناصع؛
حتى لا يضطر -رغم ثروته التي جمعها من مسح أجواخ حكام عرب سابقين- من استئجار مقر صغير بخمسين ألف جنيه على الأقل.
نائب ثالث..
يستأجر والده عدة محلات بالجيزة بجنيهات لا تذكر، ويؤجرها من الباطن بنحو 150 ألف جنيه شهريًا.
وإعلامي رابع من طبقة المليونيرات وذوي الأملاك يناضل ضد مشروع الحكومة؛
لأنه لا يزال يحتفظ بشقة العائلة الواسعة المتاخمة لعدد من السفارات الأجنبية، ولا يتجاوز إيجارها 20 جنيهًا،
وخامس يجمع بين المحاماة والإعلام من ذوي الأتعاب المليونية يرفض المشروع دون نقاش؛
حتى لا يضطر إلى ترك مكتبه الواسع الذي يستأجره بأقل من ثمن علبة سجائر محلية الصنع.
لا أحد يعترض لأسباب موضوعية عادلة. الضمائر مرفوعة من الخدمة!
المعترضون على مشروع القانون.. والحكومة
المثير في الأمر فعلاً.. أن هؤلاء المعترضين على مشروع القانون لم يعترضوا يومًا على ما تقترفه الحكومة في حق عموم الشعب من جباية ضجت منها جيوب الأغنياء، وتلاشت معها جيوب الفقراء،
ولم يتحدثوا يومًا عن عدالة اجتماعية غائبة على جميع المستويات، ولكن عندما استشعروا خطرًا على مصالحهم الشخصية جدًا، انتفضوا وهاجوا وماجوا.. وادَّعوا أدوار البطولة، وكأنهم معارضون من زمن فات!
هذا الانحراف الحاد في محاولة توظيف السلطة التشريعية لمصلحة شخصية أسقط الأقنعة عن عشرات النواب،
وأفقدهم الحد الأدنى من الموضوعية والتجرد.
كان يمكن استيعاب وجهات النظر المعارضة للتعديلات وتفهمها لو تبين أن واحدًا فقط من المعترضين أو أقاربه أو أصهاره لا يستفيدون من «السكن المجاني».
التوازن في التعامل وتوفير البدائل
الحكومة تعهدت بالتوازن في التعامل مع هذا الأمر، وسوف توفر بدائل مناسبة،
كما إن نسبة العجائز التي تسكن بنظام القديم لا تتجاوز 1% من إجمالي العقارات المؤجرة؛
ومن ثمَّ.. فإن المتاجرة بهم والاختفاء وراءهم أسلوب رخيص جدًا.
التقارير الرسمية أظهرت أن نصف مليون وحدة سكنية لا يتجاوز إيجار الواحدة منها خمسين جنيهًا،
بل ومن بينها ما يقل إيجاره الشهري عن جنيهين فقط. أساتذة القانون يجمعون على أن الأجرة القليلة تبطل عقد الإيجار،
والملكية الفردية مصونة، والمالك يجب أن يتمتع بسلطة الاستفادة بما يملك.
الغاضبون من إنصاف الملاك يجهلون أو يتجاهلون أن عدم الاعتداد بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بشأن قانون الإيجارات القديمة،
وعدم إصدار مجلس النواب لتعديلات جديدة على القانون يعني فسخ عقد الإيجار تلقائيًا بين المالك والمستأجر،
وسيعتبر الحكم نافذًا لامحالة.. ربما يظنون أنفسهم فوق القانون، وفوق أحكام الجهة القضائية الأرفع.
البروباجندا التي يشهدها البرلمان حول تعديلات قانون الإيجار القديم تعكس التعصب الأعمى الحاد لوجهة النظر الواحدة،
وإعلاء المصلحة الخاصة والضيقة جدًا على ما سواها،
كما تعتبر محاولة مفضوحة جدًا لتخويف البرلمان والحكومة من تصويب أخطاء تشريعية تاريخية فادحة،
ووقف العمل بقانون استثنائي ظالم ما كان له أن يستمر بعد زوال أسباب صدوره،
كما إنها تؤكد تجاهلاً للدين وللشرع ودار الإفتاء وجميع الأئمة الذين أجمعوا عن أن هذا قانون باطل وحرام وهو أكل للسُّحت.