مقالات

أحمد سعد يكتب: حرب غزة والسيسي وباسم يوسف.. وإعلامنا الساذج!

بقدر قسوة الأوضاع التي يعيشها إخواننا في غزة، تحت القصف الوحشي من الجيش الصهيوني المدعوم من أمريكا ودول الغرب، وبقدر المرارة التي في حلوقنا من عجزنا عن فعل أي شيء لنصرتهم سوى الولولة ومصمصة الشفايف على صفحات التواصل الاجتماعي، بقدر تفاؤلنا في غد أفضل، ويقيننا في النصر عاجلا أو آجلا، فهذا وعد الله، وكان وعده مفعولا..

فالصحوة التي رأينا عليها الشعوب العربية والإسلامية منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر وحتى الآن، جددت الأمل في نفوس أبناء الأمة العربية والإسلامية، وأثبتت أن القضية الفلسطينية محفورة في شفراتنا الوراثية، وأن الشعوب العربية لم تتلوث بعوادم الأنظمة الفاسدة اللاهثة وراء الصهاينة، وأن الحرب لم تقتل الشعب الفلسطيني كما يظن الناس، إنما أحيت الضمير العربي، وأعادت تذكير العالم بأن الشعوب العربية والإسلامية لاتزال على عهودها وثوابتها في الانحياز للقضايا الوطنية مهما كانت قوة وسطوة الآلات المستخدمة في تجريف الذاكرة وحشوها بالتوافه من أفلام ومسلسلات وأغاني ومباريات الكرة.

تهميش السيسي ودعم غزة

وقوف الشعوب العربية والإسلامية في ظهور إخوانهم في غزة وفلسطين، ليس بجديد على الأمة، الجديد كان في موقف بعض الأنظمة العربية، والذي بدا وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، منحازا للفلسطينيين، شاجبا للعدوان الإسرائيلي، ظهر ذلك بشكل جلي في مصر، حيث وجدنا عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري والمعروف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، رأيناه يحرض المصريين على النزول للشارع للتظاهر وإعلان رفضهم للعدوان الإسرائيلي، كما رأينا منظومته الإعلامية تفتح النار على إسرائيل، وتدعو العالم للتدخل وإيقاف الاعتداءات على غزة، بل الأكثر أننا رأينا إعلاميين ممن كانوا ملء السمع والبصر قبل سنوات، ثم اختفوا، رأيناهم يظهرون من جديد ويأخذوا نفس المواقف برفض الاعتداءات الإسرائيلية ودعم غزة وشعبها، من هؤلاء مثلا باسم يوسف الذي ظهر في لقاء تليفزيوني مع مذيع أمريكي شهير (بيرس مورغان) وهو اللقاء الذي أحدث ردود فعل واسعة جدا.. كما رأينا سياسيين كبارا ممن لهم مواقف واضحة وفاضحة في صف إسرائيل وفي دعم الأنظمة الديكتاتورية ببعض الدول مثل مصر وسوريا، رأيناهم متعاطفين مع شعب غزة ورافضين للعدوان عليها.. فما الذي جد وما الذي تغير حتى تتحول الصورة بهذا الشكل المذهل؟!!

الحقيقة أنه لم يجد أي جديد سواء في مواقف تلك الأنظمة أو مواقف مؤيديها، كل ما في الأمر هو أن المصلحة اقتضت اتخاذ هذا الموقف، لتحقيق مكاسب غير معلنة، فما أن تتحقق تلك المكاسب حتى تعود المواقف إلى حيث كانت، فلا يظن عاقل أبدا أن واحدا مثل السيسي يمكن أن يتخذ موقفا معاديا لإسرائيل، فالسيسي يدرك أن ثمن ذلك سيكون فقدان الكرسي، والعالم كله يعرف حجم العلاقات التي تربط السيسي بالكيان الصهيوني، ومواقف السيسي المعلنة لدعم الصهاينة لا تحتاج لدليل إثبات، يكفيك أن تراجع تصريحاته الرسمية التي قالها في حق إسرائيل منذ انقلاب 2013 وحتى الآن، وهو نفسه الذي اعتقل مشجعين مصريين في ملاعب الكرة، لمجرد أنهم حملوا العلم الفلسطيني، فهل بعد كل هذا تتصور أن يصبح فجأة وبلا مقابل داعما للقضية الفلسطينية؟!! بالقطع لأ، كل ما في الموضوع هو أن السيسي كان قبل حرب غزة مهملا ومهمشا من المجتمع الدولي وخصوصا أمريكا، حيث تم تجاهله في كل القضايا الإقليمية المهمة، مثل حرب السودان والأزمة الليبية وغيرهما من القضايا التي يفترض أن تكون مصر حاضرة فيها وبقوة، بينما أوكل بها للسعودية لبحثها والتعامل معها، هذا فضلا عن تجاهله في الاتفاقات الدولية الكبرى والتي يُفترض أن تكون مصر طرفا أساسيا فيها مثل الاتفاق الذي جرى على هامش قمة العشرين الأخيرة بنيودلهي وهو الخاص بربط الهند بأوروبا تجاريا عن طريق الشرق الأوسط، وغير ذلك من المواقف التي جعلت السيسي يشعر بالتجاهل والتهميش، فجاءت تلك الحرب لتعيده للصورة من جديد، وقد رآها فرصة ذهبية يجب استثمارها لاستعادة مكانته الإقليمية والدولية مرة ثانية، ومن مصلحته أن تشتعل الحرب أكثر وأكثر، فكلما اشتعلت زادت الحاجة إليه وإلى دوره!!

باسم يوسف والإعلامي الساذج

وإذا كانت الدنيا كلها تدرك أن موقف السيسي من الحرب على غزة ومن تهجير شعبها إلى سيناء مرهون بحجم المكاسب التي يمكن أن يحققها منها، فما أن تتحقق تلك المكاسب حتى تتبدل مواقفه وتعود إلى طبيعتها مرة ثانية، فإن المؤسف والمحزن أن تجد بعض إعلامينا وقد انخدعوا ووثقوا في تصريحاته، وصدقوا أنه رافض فعلا لتهجير سكان غزة، لذا هالني ما رأيته وسمعته من إعلامي معروف ( م.ن) والذي ظهر في برنامجه اليومي بإحدى القنوات الفضائية المعادية للانقلاب العسكري في مصر، ليعلن دعمه وتأييده للسيسي بدعوى تبنيه موقفا رافضا لتهجير سكان غزة، فهذا الإعلامي الذي طالما سلط الضوء عن جرائم وفظائع السيسي، صدق أنه يمكن أن ينحاز لموقف وطني وإنساني بمناصرة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، فراح يطبل ويهلل للسيسي، ويؤكد أنه هو وفريق عمل برنامجه يؤيدونه ويدعمونه في هذا الموقف، بل وعلينا نحن أن نسانده، نسي هذا الإعلامي المناضل كل جرائم السيسي في حق الشعب المصري، ونسي انقلابه على أول رئيس مدني، ونسي فضه للاعتصامات السلمية بالدبابات والأسلحة الثقيلة، نسي كل هذا، وصدق موقفه من تهجير سكان غزة!!

إعلامي أخر (أ ج) ظهر وهو يشيد بالإعلامي باسم يوسف بعد حواره مع المذيع الأمريكي، صاحبنا هذا قال إنه بالرغم من تحفظه على المواقف السابقة لباسم يوسف ودعمه للانقلاب العسكري على الثورة المصرية وعلى الرئيس الشرعي محمد مرسي، وتأييده لفض ميداني رابعة العدوية والنهضة والاستخفاف بدماء المصريين ممن تم قتلهم في الميادين بأغنيته الشهيرة (السيسي فشخ الإخوان)، إلا أنه رأى من الواجب علينا الفصل بين مواقفه السابقة وموقفه الجديد من الحرب على غزة، فهو على حد وصفه موقف رائع يستحق الإشادة، هذا الإعلامي الساذج تصور أن باسم يوسف اتخذ هذا الموقف انحيازا للقضية من تلقاء نفسه وعن قناعة شخصية وليس بتحريك من نظام السيسي، نسي هذ الساذج أن باسم يوسف المتعاطف الآن مع الفلسطينيين، هو نفسه الذي غض الطرف عن العديد من الاعتداءات السابقة التي تعرض لها الفلسطينيون عامة وسكان غزة خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة، لم يفطن هذا الإعلامي المتوهم إلى أن تحرك باسم يوسف للدفاع عن القضية الفلسطينية جاء مع تحرك السيسي لدعمها ومع تحرك مؤيدي السيسي من إعلاميين وسياسيين وفنانين وجميعهم ممن رقصوا على دماء وأشلاء ضحايا ميداني رابعة والنهضة من أبناء وطنهم، فهل من المنطق أن يبكوا على دماء أبناء شعب بلد أخر هو فلسطين؟! لو أن باسم يوسف كان مؤمنا بالقضية الفلسطينية كما يظن صاحبنا هذا لرأينا له مواقف مماثلة في الاعتداءات الثلاثة القريبة التي تعرضت لها غزة أعوام (2014 و2019 و2021) لكنه لم يفعل، وفعل الآن، بعدما طلبوا منه أن يفعل!!

متى نتوقف عن السذاجة والعبط؟!!

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى