الأثنين أبريل 29, 2024
أحمد عرابي سلايدر سير وشخصيات

“أحمد عرابي”.. الزعيم الذي خانه الأقربون وظلمه المصريون

– تُوفيَ أحمد عرابي، في القاهرة، يوم 28 رمضان 1329هـ.. 21 سبتمبر 1911م، مجهولًا منسيًّا، بل أن المصريين كانوا يعايرونه بهزيمته من الإنجليز، ويظهرون له الشماتة والسخرية، ومنهم الزعيم مصطفى كامل الذي كان من أشد الكارهين لـ عرابي، وكان مصطفى كامل لا يذكر اسم “أحمد عرابي” إلا مسبوقا بكلمة الخائن!

– وهجاه “أحمد شوقي” عندما كان شوقي في خندق القصر، وقبل أن ينتقل لقافلة الوطنيين:

صِغارٌ في الذهابِ وفي الإيابِ/

أهذا كلُ شأنِكَ يا عرابِي/

عفا عنك الأباعِدُ والأدانِي/

فَمَن يعفو عن الوطنِ المصابِ/

– بعد أن عاد لمصر من المنفى، ظلَ عرابى حبيس بيته العتيق في حَيّ السيدة زينب، مكـتـئـبًا حزينا، لا يغادره إلا للصلاة، ثم انقطع عن الخروج تماما، بعد ازدياد تطاول العامة والدهماء عليه، والسخرية منه.

ورويدًا.. رويدًا.. سقط عرابي من ذاكرة الجميع، ونساه الناس،

– في مساء 21 سبتمبر 1911م، الموافق 28 رمضان 1329هـ.. جاء بائع اللبن ليطرق باب بيت أحمد عرابي كالعادة، فخرج الشيخ العجوز أحمد عرابي يجـرّ قدميه، ويترنح من المرض والهموم، وبينما هو يأخذ إناء اللبن من البائع الذي لا يعرفه، سقط عرابي على الأرض، وبلّلَت قطرات اللبن لحيته ووجهه وملابسه…

– في اليوم التالي جاء اللـبّان، وعرف بموت الرجل العجوز عرابي، وأنه هو الزعيم الذي كان قائدًا لأعظم ثورة مصرية، فأُصيب اللـبّان بالهيستيريا، وظل يصرخ، وانتشر الخبر بين سكان حي السيدة، ثم القاهرة، وكان تعليق المصريين باردًا سمجًا: (هو كان لسه عايش، ده إحنا افتكرناه مات من زمان)

– ظل جسد الزعيم الثائر على فراش الموت، لا يجد أهله المال لتكفينه ودفنه، وشاء الله أن تصرف وزارة المالية معاشات العسكريين قبل عيد الفطر (كانت الحكومة البريطانية تعطي لعرابي بعد عودته لمصر، واعتزاله المقاومة، معاشا شهريا، باعتباره جنرال سابق)!!!

– بينما جنازة أحمد عرابي تسير في صمت، يوم 29 رمضان، ليس فيها إلا عائلته الصغيرة فقط، كان المصريون في الشارع يحملون (صواني كعك العيد) فوق رؤوسهم إلى الأفران، وهم ينظرون في لامبالاة إلى الجنازة المجهولة.. وأحدهم يسأل باستنكار: (مين اللي مات؟) فيرد عليه آخر: (بيقولوا واحد اسمه أحمد عرابي)!!!!

– اسمه بالكامل (أحمد محمد عرابي محمد وافي محمد غنيم عبد الله)

 مواليد قرية “هرية رزنة” مركز الزقازيق، محافظة الشرقية، في 1 أبريل 1841م .

حفظ القرآن الكريم صغيرا، ووصل إلى منصب ناظر الجهادية (وزير الدفاع)، وكان أميرالاي (عميد حاليا)

– فشلت ثورة عرابي بسبب خيانة الخديوي، وبعض القبائل التي ساعدت الإنجليز في البحيرة والشرقية والإسكندرية، وخيانة محافظ القاهرة (خنفس باشا)، وخيانة بعض الضباط المصريين الذين باعوا عرابي للإنجليز، وكانوا يسخرون منه بأنه لا يفارق المصحف، ولا يترك (أوراده) حتى وقت المعارك..

فقد كان عرابي صوفيًّا زاهدا

متواضعا، يثق في الجميع، ولا يتعامل بخبث السياسيين ومكر القادة.

– يقول عرابي عن نفسه في مذكراته التي نشرتها “دار الهلال” في سنة 1953م: (كان والدي شيخا جليلا، رئيسًا على عشيرته، عالمًا موصوفا بالعفّة والأمانة.. وكانت ولادتي في 7 صفر، سنة 1257هـ، ببلدتنا التي تُدعى “هرية رزنة”، بمديرية الشرقية)

– ويستطرد عرابي: (حفظتُ القرآن الشريف، وتعلّمتُ بعض العلوم الدينية، في المكتب الذي أنشأه والدي، وفي الجامع الأزهر، وقد تعلّم في ذلك المكتب، كثير من أبناء بلدتنا،

حتى بلغ عدد المتعلمين فيها نحو نصفها، ومنهم العالم الأزهري واللغوي الشهير الشيخ محمد حسين الهراوي، والطبيب النطاسي، عبد الرحمن بك الهراوي، والكيمياوي الشهير عبد العزيز باشا الهراوي، وكان والدي قد أمر بترتيب درس فقه في المسجد الذي جدّده للعامة، بعد عصر كل يوم، وبعد صلاة العشاء، فتفقّه عامة أهل البلد في دينهم، وصحّت عبادتهم، وحسنَ حالهم، بفضل قيام المرحوم والدي على تعليم قومه وأهل بلده، ثم توفي (رحمه الله) في 21 شعبان، سنة 1264هـ، بالكوليرا، فغدوتُ يتيما في الثامنة من عمري، وتولّى أخي الأكبر محمد عرابي تربيتي مع أمي، إلى أن تولّى الخديوي سعيد باشا ولاية مصر، في 14 شوال، سنة 1270هـ، حيث أصدر أمره بانتظام أولاد عُمد البلاد ومشايخها، في سلك العسكرية، والتحقت بها في 15 ربيع الأول، 1271هـ.)

– كانت الخيانة سبـبًا رئيسًا في هزيمة “أحمد عرابي” أمام الإنجليز، وتسهيل دخول البريطانيين لمصر، فقد اهتم البريطانيون بهذا السلاح اهتماما كبيرا: (سلاح الخيانة) واستطاعوا بواسطة الأموال والمناصب أن يهزموا عرابي ويسيطرون على مصر، حتى إن الكاتب الإنجليزي «ألفريد سكاون بلنت» في كتابه: «التاريخ السري لاحتلال إنجلترا لمصر» يقول: (بعض ضباط الجيش المصري الكبار والمقربين من عرابي أصبحوا في جانبنا، إلى درجة لم يُعرف لها نظير في تاريخ الحروب)!!!

ويقول الكاتب والمؤرخ الإنجليزي «بلنت» في كتابه: قال لي الأمير كامل باشا فاضل: (إن عرابي قد خانه كل من كانوا حوله، وقد خانه بعضهم ابتغاء الحصول على الذهب، وبعضهم بدافع الحقد، وكان كبار الضباط يغارون من شعبية عرابي الجارفة)

– كان بعض ضباط الجيش المصري الملحدين، يسخرون من عرابي ويقللون من شأنه أمام الجنود، بحجة أنه درويش لا يترك المصحف ومنشغل بالأوراد والأذكار!!

ويضيف المؤرخ البريطاني في كتابه عن خيانة الضباط المصريين لعرابي: (لقد حدثت الخيانة أثناء القتال أيضًا، ويكفي أن أحد الضباط المصريين أرسل خطة المعركة كاملة إلى القائد البريطاني)،.. ويستكمل المؤرخ البريطاني: (حدث أثناء هذه المعركة أن كانوا نحو 18 ألفاً من المصريين على مقربة من نحو 2500 من الإنجليز فيهم أحد قادة الجيش ويدعى «كنوت»، ولو أن “علي يوسف” الذي كان يقود القلب المصري تقدم لسحقَ الإنجليز، وأسر «كنوت»، ولكنه خان عرابي، وترك البريطانيين يحيطون بالجناحين)..

– وقبضَ الذين باعوا أوطانهم، الثمن، بضعة آلاف من الجنيهات، ومن المضحك المحزن المؤلم، أن اعتراضات واحتجاجات الخونة المصريين استمرت لشهور، وظلوا يتظلمون للبريطانيين أنهم لم يأخذوا أموالهم كاملة!!!

– عرفَ عرابي في منفاه كل تفاصيل الخيانة والمؤامرات من بعض المصريين الذين ضحَّى بحياته من أجلهم،

– فـهـمَ “أحمد عرابي” متأخـرًا ما حدث “يوم الزينة” بين سيدنا موسى وفرعون، وسلبية الشعب الذي كان يتـفـرّج فقط، ولم يؤمن منه أحد… (متفرجون بالوراثة).. وأن كل الزعماء المصريين المخلصين الذين راهنوا على الشعب خسروا، فالشعوب لا يُعوّل عليها، فذاكرتها كالسمك، ويرفعون شعاراتهم التاريخية:

1- (عاش الملك مات الملك)

2- (اللي يتجوّز أمي؛ أقوله يا عمي)

3- (اربط الحمار مطرح ما يقولك صاحبه)

4- (لو رُحت بلد لقيتهم بيعبدوا العِجل؛ حِش وارميله)…

الشرفاء..

– وكما كانت خيانة قِلة من المصريين الذين باعوا عرابي، كانت في الخندق الآخر، جماهير الشرفاء من بسطاء المصريين، على رأسهم علماء الدين في ذلك الزمن..

– يقول أحمد عرابي في مذكراته، الجزء الأول، صفحة 196: (في يوم 23 يوليو 1882م، 6 رمضان 1229هـ، انعقد المؤتمر العام لعلماء مصر، وصدرت فتوى شرعية من الشيخ العارف بالله شيخ الإسلام والمسلمين السيّد محمد عليش (له مسجد يحمل اسمه بمنطقة عين شمس الغربية بالقاهرة)، وشيخ الإسلام الشيخ حسن العدوي، والشيخ الخلفاوي، وغيرهم من العلماء؛ بمروق الخديوي توفيق باشا من الدين مروق السهم من الرميّة، لخيانته لدينه ووطنه، وانحيازه لعدو بلاده.. وقد رأينا وجوب توقيف أوامر الخديوي، وما يصدر من نظّاره (الوزراء) وعدم تنفيذها، حيث إن الخديوي خرج عن قواعد الشرع الشريف، والقانون المنيف).

– كان عرابي إسلاميا حتى النخاع، خطيبا وفقيها، يقول في صفحة 38 من مذكراته، وهو يتحدث عن ثقة الخديوي إسماعيل في القادة “غير المسلمين” من الإنجليز: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}

وظل يكرر تلك الآية كلما جاء ذِكر قائد عسكري إنجليزي في الجيش المصري ..

كانت تلك الآية التي وضعها عرابي خلفه، هي السبب في غضب الإنجليز والخديوي، واتهموه بـ التزمّت والتحجّر، فلم تكن كلمات: إرهابي، ومتطرف، ووهابي، وإخواني، وداعشي؛ قد ظهرت!!!

والله إن ما حدث لـ أحمد عرابي، يجعلك تعيد قراءة التاريخ المصري والعربي كله، بحياد، ومن كل مصادره، بعيدا عن النوافذ الرسمية التي لم تكن يوما صادقة ..

– تزوّج أحمد عرابي من سيرلانكية، بعد نفيه إلى سيريلانكا (سيلان) في 1882م، وأنجب منها 4 أبناء، منهم من جاء لمصر، ومنهم من بقيَ في سيرلانكا واستقر بها، ولا يحملون الجنسية المصرية، حتى إن أحد أحفاده، وهو إبراهيم عرابي، كان سفيرا لـ سيرلانكا في مصر!!!

– ظلَ “أحمد عرابي” يراسل الملكة فيكتوريا، ويعتذر لها، حتى قبلت اعتذاره، عام 1901م، وعاد عرابي إلى مصر

– عاد “أحمد عرابي” من المنفى في 30 سبتمبر 1901م، ليقيم مع أولاده بعمارة البابلي، بشارع الملك الناصر المتفرع من شارع خيرت، بحَيّ السيدة زينب.

– من الأشياء المسكوت عنها في تاريخنا المصري، علاقة أحمد عرابي الوطيدة بالإنجليز وصداقته الشديدة بهم، بعد عودته من المنفى، وكانوا يزورونه في بيته، وجعلوا له راتبا شهريا، وعاملوه معاملة كبار الجنرالات، في الوقت الذي سخر فيه المصريون منه، وأهملوه، وتطاولوا عليه…

– في 13 أكتوبر 1901م، صدرت جريدة “المقطم” المؤيدة للإنجليز، وبها حديث مع عرابي يلقي فيه سيفه ويعتذر عن الثورة!!!

– لم يبع أحمد عرابي (القضية) كما يشاع، لكنها التقيّة التي اتبعها بعد عودته، وبعد أن بلغ من العمر عتيّا، وهدّه المرض، وأقعدته الشيخوخة، أصبح المقاتل القديم عرابي دبلوماسيا، لـ(يتركوه في حاله)، فالإنجليز يضعونه في خانة الأعداء، والمصريون يرونه فاشلا تسبّبَ في دخول الإنجليز مصر، وظلت جريدة الأهرام تسخر منه، وتشوّه تاريخه، طيلة حياته، وبعد مماته، وهو لا يستطيع الرد، فالآلة الإعلامية المصرية الرسمية في ذلك الوقت كانت تنهش لحمه.. وجعلته للناس خائنا مذموما..

– كان أحمد عرابي قد أحضر معه من منفاه في سيلان (سيريلانكا) شجرة المانجو، وعرفت مصر شجرة المانجو وثمرة المانجو، لأول مرة، على يد أحمد عرابي.

———————–

المصدر:

موسوعة: (شموسٌ خلفَ غيومِ التأريخ – يسري الخطيب)

(من أكثر الأبحاث التي أتعبتني وأوجعتني، واستنزفتني باحثا، ومترجما؛ كانت دراسة تاريخ عرابي،، فقد قرأتُ مذكراته كاملة، وعدتُ للمصادر المصرية (أكاديميون ومؤرخون)، والمصادر البريطانية الكثيرة جدا جدا، وما كُتبَ عنه في سيلان)

….

يسري الخطيب

شموس خلف غيوم التأريخ

Please follow and like us:
يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب