الجمعة مايو 3, 2024
مقالات

حسن الدقي يكتب: خفايا لعبة التوازن بين الكيانين الصفوي والصهيوني

مشاركة:

لم يأت التعديل الجيوسياسي والتاريخي الذي أدخلته واشنطن أو سمحت بوجوده، في معادلة الشرق الأوسط عام 1979م من فراغ.

وأعني به صدور أوامر وكالة السي آي إيه إلى جنرالات جيش محمد شاه رضا بهلوي، بترك عرشه المحمي أمريكيا يتهاوى أمام عينيه، والاكتفاء بضبط الساحة الإيرانية والتظاهر “بالحياد” في ظل ثورة الشعب الإيراني؛ وأعني بذلك أيضا القرار الغربي الصليبي بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا، باحتضان باريس للخميني وتسليط أضواء الدعاية العالمية عليه في ضاحية نوفلو شاتو بالعاصمة باريس، حتى جاء وقت تسليمه زمام مقاليد الدولة الشاهنشاية في الأول من فبراير عام 1979م مستقلا طائرة الإيرفرانس الجامبو العملاقة في خط طيران NonStop إلى طهران.

وبدون الغوص في تفاصيل تلك المرحلة، التي أنتجت المراحل الحالية؛ فإن السؤال يقول: كيف نفهم الضربات المتبادلة بين الكيان الصهيوني وأمريكا من جهة لإيران وأوليائها في المنطقة، وقيام إيران أيضا وإن كان باستحياء بضرب أو دغدغة المصالح اليهودية والأمريكية في المنطقة؟

والجواب:

أولا: إن الأساس الاستراتيجي الذي على أساسه وضوئه سمحت الصليبية الغربية (أمريكا وأوروبا) بتأسيس المشروع الباطني الشيعي عام 1979م، هو حتى يكون هذا المشروع بديلا مرجعيا على مستوى الأمة المسلمة السُّنِّيَّة، وحتى لا تفكر الأمة المسلمة بالذهاب مجددا لإيجاد مرجعيتها المستقلة وهي الخلافة الإسلامية؛ وكان لا بد من بناء أوهام كبرى حول هذا المشروع، حتى يمكن تمريره للذهنية المسلمة، التي تعرف تاريخ الباطنية وخطرها، فكان ذلك بتسمية المشروع «ثورة إسلامية»، وبوضع المشروع من الناحية الشكليَّة في «مواجهة» المشروع اليهودي والمشروع الصليبي الغربي، والعزف على هذه الأوتار بشكل مستمر، وقد أضاف خميني شعارا جاذبا للمشروع (إقرأ كاذبا) وهو شعار «تحرير المسجد الأقصى».

مع أساس آخر خطير في تأسيس المشروع الصفوي الباطني، وهو إحياء الأحقاد التاريخية التي يحملها الرافضة ضد الأمة المسلمة طوال تاريخهم، ثم فسح المجال لهذا المشروع كي ينفس عن تلك الأحقاد، عبر ممارسة القتل على الهويَّة، الأمر الذي تحقق ابتداء في الحرب العراقية الإيرانية منذ عام 1988م، ثم نزول الجيش الإيراني وميليشياته الشيعية في العالم إلى سوريا لاستكمال حلقات الحقد تلك، وما اليمن عن ذلك ببعيد.

ثانيا: ومن الاستراتيجيات العالمية التي دأبت أطراف النظام العالمي على تطبيقها في إدارة أمم الأرض، وخاصة بُعيد الحرب العالمية الثانية، هي استراتيجية “صناعة التهديد”، أو النفخ في الأخطار الكُبرى التي “تهدد” وجود كل دولة، والتحكم في الشعب داخليا، وبقية الشعوب عبر إدارة هذا الخطر، وخاصة في ظل الحرب الباردة التي استمرت منذ عام 1949م إلى عام 1991م، بين القطب الأمريكي والقطب السوفيتي؛ وعليه فقد سمحت أمريكا وأوروبا للمشروع الصفوي الإيراني للنشوء حتى يكون “تهديدا” دائميا في منطقة الشرق الأوسط، واستثمار هذا التهديد الوهمي في استمرار فرض السيطرة الصليبية واليهودية على قلب الأمة المسلمة.

ثالثا: وحتى تنزل استراتيجية التهديد المذكورة السابقة إلى أرض الواقع، اقتضى الدفع بإشعال الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م والتي استمرت ثمانية أعوام؛ فكان لتلك الحرب الأثر الفعَّال لتطبيق استراتيجية التهديد والخطر المزعوم، وهو ما استمر بالحدوث إلى وقتنا هذا، وخاصة إذا استذكرنا مرحلة التسعينيات وما جرى فيها من التمثيليات بين حكام الخليج وإيران.

رابعا: وأهم ما ينبغي أن نفهمه في هذه المعادلة من الصراع الشكلي، أن الصراع بين الكيانين الصهيوني والصفوي من جهة وبين الكيان الصفوي وأمريكا من جهة أخرى، ليس صراعا صفريا بل هو صراع هامشي، وهو ما يقتضي وجود خسائر هامشية لهذا الصراع، وهي خسائر محتملة مهما بدا أنها كبيرة ومُهدِّدة، كقتل الجنرال قاسم سليماني في العراق، بدليل أن الشعار الذي التزمه خامنئي بعد قتل ترامب لقاسم سليماني هو شعار: يادار ما دخلك شر! فقد مضت العلاقات الإقليمية والدولية بكل سهولة وسلاسة بعد ذلك الاستهداف. الأمر الذي يفسر “الصراع” الشكلي الذي يخوضه حزب اللات اللبناني وحزب الحوثي اليمني وما يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق ضد المشروع الصهيوني.

 خامسا: الذي يميز المشروع الصفوي الإيراني أنه يلعب على التوازنات والفراغات في النظام الدولي، وقطبيه الغربي والشرقي، ولكن لا يعني ذلك استقلاله وسيادته، فهو مشروع وظيفي إقليمي، يتم توظيفه من قبل أقطاب الشرق الصين وروسيا، وأقطاب الغرب أوروبا وأمريكا، ولذلك عندما تبدأ كفة المشروع الصفوي بالميل إلى المشروع الشرقي، فإن القطب الغربي يسعى لمعاقبة إيران وإرجاعها إلى مظلة السيطرة الغربية، المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط منذ احتلال بيت المقدس عام 1917م؛ الأمر الذي انعكس على محاولة روسيا للتمدد واستثمار فرصة ثورات الربيع العربي

Please follow and like us:
حسن الدقي
أمين عام حزب الأمة الإماراتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب