الأثنين مايو 20, 2024
حوارات سلايدر

د. حسن سلمان :مشكلات الهوية والسيادة وغياب الاستقرار وراء معاناة الغرب الإفريقي من الانقلابات العسكرية

د. حسن سلمان :مشكلات الهوية والسيادة وغياب الاستقرار وراء معاناة الغرب الأفريقي من الانقلابات العسكرية

* انقلاب النيجر  صرخة غضب ضد النفوذ الفرنسي وباريس أبرز الخاسرين

*واشنطن ستصبح الكلمة الفصل في الغرب الأفريقي والصراع سيستمر مع روسيا والصين

*الحل العسكري سيقود الغرب الأفريقي لكارثة وفرصة ذهبية للجماعات الجهادية لتعزيز نفوذها

* المخاوف من تعزيز النفوذ الروسي وراء مهادنة واشنطن للانقلابيين في النيجر 

* هذه هي أسباب رفض الجزائر للعمل العسكري في النيجر مع التمسك بعودة المسار الدستوري

* السودان أمامه فرصة ذهبية للتحول لأكبر مستفيد من انقلاب النيجر

* الصراعات العرقية والمزاج الرافض لفرنسا وراء الدعم الشعبي الإطاحة ببازوم

*غياب الحالة الإسلامية أبرز تداعيات الصراع ومطالب بالاستفادة من الانقسام الدولي

أكد لمحلل السياسي والخبير في شئون القارة الافريقية الدكتور حسن سلمان أن أزمات القارة الأفريقية  خصوصا في الغرب تعود إلي ٣مشكلات تتمثل في الهوية والسيادة والاستقرار وهي الأزمات التي لم تستطع القارة الأفريقية في تسويتها طوال السبعين عاما الماضية.

ومضي القول في حوار له مع جريدة الأمة الإليكترونية ان من المبكر الحكم علي ما يجري في النيجر من كونه حركة تحرر وطني ضد النفوذ الفرنسي او مجرد صراع علي السلطة تحركه قوي دولية او صراع عرقي بين المجموعات العربية والأغلبية الإفريقية مشيرا إلي أن التطورات المقبلة هي من ستحدد هوية هذا الانقلاب

وشدد علي أن فرنسا ستخرج من هذه الأزمة أبرز الخاسرين بسبب سياسات الهيمنة ونهب خيرات القارة الأفريقية وذلك لصالح تنامي النفوذ الأمريكي ومن ثم الروسي والصيني وحتي التركي

واعتبر أن التحرك الأمريكي المتحفظ ضد التطورات في النيجر  يعود لتفضيل واشنطن التعامل مع النخب العسكرية فضلا عن مخاوفها  من وقوع الغرب الأفريقي أسيرا النفوذ الروسي والصيني في ظل اعتقاد أمريكي بعجز فرنسا عن الدفاع عن مصالحها

وأشار الي الدعم الشعبي الانقلاب في النيجر يعود لعدد من الأسباب منها وجود مزاج عام رافض لاستمرار  النفوذ الفرنسي ناهيك عن رفض الأغلبية الإفريقية  من الهوسا هيمنة المجموعات العربية التي ينتمي إليها الرئيس بازوم

الحوار  مع الخبير في الشئون الأفريقية تضمن قضايا عديدة نعرضها بالتفصيل في السطور التالية

*ما تقييمك لانقلاب  النيجر هل هو مجرد صراع علي السلطة ام مظاهر من مظاهر  استعادة الأفارقة لاستقلالهم من فرنسا ام صراع دولي علي النفوذ؟

**أولا ما يجري في إفريقيا من انقلابات عسكرية وصراعات سياسية  يعود لما تعانيه  القارة من  مشكلات الدولة القطرية وتركيبتها الجديد ما بعد خروج الاستعمار فخو إن غادر بشكل رسمي  بقي نفوذه المتنامي في هذه الأقطار التي بقيت دولها يواجه 3تحديات كبيرة

ويتمثل التحدي  الأول في مشكلات  الهوية فهذه الدول في تكوينها وبنيتها الاجتماعية وقاعدتها الشعبية لم تنشأ كتطور طبيعي اجتماعي وسياسي واقتصادي ولكنها جاءت نتيجة حروب وصراعات قبلية ودينية أقرتها الحقبة الاستعمارية التي سعت لفرض خرائط معينة تكرس  نفوذها الاستعماري.

 بالتالي التركيبة داخل هذه الدول متناقضة دينيا وعرقيا وتاريخيا فمثلا القبيلة الواحدة  قد تقسم بين دولتين والقومية الواحدة كذلك فيما  دخلت مكونات دينية في دول لم تكن تاريخيا ضمن تركيبتها.

وهناك صراع عميق في أفريقيا بين  النخب الحديثة والتحديثية التي تأثرت بالغرب ثقافة ومنظومته عموما وبين أنصار  الهوية التقليدية في البلدان المختلفة التي تتمسك بالموروث التاريخي لهذه البلدان وهو صراع لم يحسم حتي الآن .

احتمالات التدخل العسكري في النيجر

*هذا عن التحدي الأول فماذا عن التحدي الثاني ؟

**التحدي الثاني يتمثل في تحدي السيادة خصوصا أن الاحتلال لو أنه خرج شكلا أو بصورته التقليدية فهو مستمر ونفوذه وسطوته وتأثيره كذلك فهو المتحكم في الموارد وفي النخبة والقدرة علي تدبير الانقلابات بشكل خلف مشكلات عديدة.

 فهذه الدول التي لها رؤساء وعلم وتتمتع بعضوية الأمم المتحدة الا أن سيادتها تبقي منقوصة خصوصا في دول غرب أفريقيا في ظل تحكم فرنسا في كل شىء باعتبارها  صاحبة النفوذ بشكل كبير.

*لاشك أن تحدي الهوية والسيادة تكون له تداعيات علي مجمل الأوضاع ؟

** التحدي الثالث الذي ناتج عن مشكلات الهوية والسيادة والمتمثلة في غياب الاستقرارالسياسي حيث تعاني هذه الدول من الاحتراب الداخلي وبالتالي غياب التنمية فهذه الدول التي حصلت علي استقلالها منذ ٦٠و٧٠عاما لم تحقق ادني مستويات التنمية فبما يتعلق بنيتها التحتية اداراتهاومؤسساتها  والمواصلات والاتصالات.

وبالتالي هذه الازمات بطبيعتها تخلق نوعا من التهيئة لصراعات ومشكلات وأزمات كبيرة ومعقدة تجعلنا نتساءل هل ما يحدث حاليا هو صراع داخلي علي السلطة او صراع دولي علي النفوذ والهيمنة أو مزيج بين الصراعين كمقدمة للانفجارات التي نراها أمامنا  والتي لا يمكن أن تشتعل الا اذا حظت بدعم خارجي خصوصا من القوي الدولية صاحبة النفوذ؟

*ماذا عن انقلاب النيجر ؟

**ما  يحدث في النيجر حاليا قد يكون صراعا علي خلفية عرقية بين المجموعة العربية التي كانت تهيمن علي السلطة المتمثلة في الرئيس بازوم والأغلبية الإفريقية

وعلينا أن  ندرك أن هذا الانقلاب يعد أحدي  حلقات الصراع الدولي في هذه المنطقة خصوصا الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا فضلا عن الصين الحاضرة بقوتها الناعمة.

 ويمكن أن نقول باختصار أن هذا الصراع يتداخل فيه المحلي مع الدولي وتتداخل فيه الإرادات ما بين من يطرح فكرة التحرر الوطني من النفوذ الفرنسي  الذي لا يمكن  تغييها بشكل كلي عن المشهد خصوصا أن أي تعبير عن الرغبة في التحرر لابد أن ترتبط بشعارات تدعو لتغييب شمس  فرنسا من بلدان الغرب الإفريقي.

انقلاب النيجر وغياب الحالة الإسلامية

* تداعيات انقلاب النيجر أوضحت كذلك  غياب أي صوت للمجموعات الإسلامية في ضوء صعود التيارات الوطنية الإفريقية ؟

**لا يمكن تجاهل أن الأزمة الحالية في النيجر وغيرها من الدول الإفريقية تعكس غيابا واضحا  للحالة الإسلامية وذلك انعكاسا للوضع الدولي والضغوط المتزايدة علي هذا التيارفضلا عن أن ما نلمسه حاليا من  أن الرغبة في التحرر من نفوذ فرنسا التاريخي تتزامن مع مساع للاستفادة من حالة الصراع الدائر بين الشرق والغرب والرغبة في الاحتماء بروسيا دون وجود أي مساع من المجموعات الإسلامية للاستفادة من هذه الأجواء لاستعادة أرضيتها ونفوذها .

القاعدة في غرب إفريقيا

*كيف تستفيد الحركة الإسلامية من هذه التطورات ؟

 ** يجب علي هذه المجموعات أن تحاول الاستفادة من الأوضاع القائمة وتجد لأنفسها موطئ قدم شريطة ألا تكون الاستفادة استفادة التابع من المتبوع ولكن يجب أن تكون في إطار رؤية جديدة تقوم علي المصالح المتبادلة والمتكافئة والمتوازنة تنهي للأبد هيمنة القوة الاستعمارية وإجبارها علي تغيير طريقة تعاملها مع هذه الشعوب وكذلك لا يجب  أن ينحصر الأمر في   كونه انتقالا من النفوذ الغربي الي النفوذ الشرقي كما كان الحال أيان الحرب الباردة.

*ولكن كيف سمحت فرنسا للبساط ان يسحب من تحت قدميها خصوصا في الغرب الإفريقي ؟

: **من المهم الإشارة هنا الي أن التطورات التي شهدتها دول غرب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة قد تأثرت بالتطور التكنولوجي والانفتاح علي العالم وتتبع الثورات التحريرية التي شهدتها بقاع عديدة من العالم وبالتالي فرنسا ستكون أبرز الخاسرين بسبب سياساتها وطرق تعاملها مع الأفارقة

وفيما يتعلق النيجر نجد فرنسا هي اكثر دولة مستفيدة من اليورانيوم النيجري الذي يسهم في تشغيل ٣٠ %من الكهرباء والمفاعلات النووية في فرنسا في الوقت الذي تعيش النيجر في ظلام دامس وتستوردالكهرباء من نيجيريا المجاورة التي قطعت الكهرباء عن النيجر بعد الانقلاب مما ساهم في زيادة الغصب الشعبي ضد فرنسا وسياساتها غير المجدية التي تجعلها أكبر الخاسرين.

انقلاب النيجر والتحفظ الأمريكي

*كان لافتا خلال الأزمة وجود نوع من التحفظ  في التعامل مع التطورات حيث لم تصفها بالانقلاب ؟

**هناك صراع بين فرنسا والولايات المتحدة في اكثر من موقع في شمال وغرب أفريقيا والشرق الأوسط وفي آسيا كذلك وهو أمر طبيعي رغم وجود التحالف  بين البلدين ضمن الناتو والمعسكر الغربي في ظل رغبة واشنطن أن تكون اكثر الرابحين ويظل الجميع تحت لوائها.

وهو ما رأيناه في اكثر من بقعة من العالم وهو ما يفسر التصريحات المتحفظة من جانب واشنطن  ورفضها وصف ما جري الانقلاب او التماهي مع المساعي للقيام بعمل عسكري.

فلم تجار أمريكا  المجموعة الإفريقية في التصعيد نحو الحرب حيث تبنت موقفا متوازنا ما بين عودة الديمقراطية وبين عدم الصدام العسكري مع قادة الانقلاب.

*كيف قرأت هذا الموقف ؟

**تاريخيا تفضل واشنطن التعامل مع العسكر أكثر من النخب  المدنية وبالتالى لا نستبعد أن تكون واشنطن راغبة مع  توثيق صلاتها بالمجلس العسكري  والحفاظ علي مصالحها في ظل وجود قاعدة عسكرية أمريكية هناك.

  إذ تفضل واشنطن إبقاء هذه القاعدة بعيدا عن أي صراعات ناهيك عن وجود قناعة لديها بأن فرنسا غير قادرة علي حماية مصالحها ومناطق نفوذها في ظل وجود مزاج أفريقي يتشكل ضدها.

 ومن ثم تخشي  أمريكا من استغلال كل من روسيا والصين لهذا الضعف لملأ الفراغ فهي تتبني وجهة نظر مفادها أنه اذا كانت فرنسا عاجزة عن حماية مصالحها فلا يجب أن نترك هذه البقعة بين مطرقة الروس وسندان الصينيين

وعلينا أن ندرك كذلك أن  التصريحات المتوازنة للإدارة الأمريكية تسير في إطار رغبتها في تجنب الصدام مع المجلس العسكري وفي الوقت نفسه تريد عودة الديمقراطية وتبني مواقف تنسجم مع مبادئها في ظل وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض

في هذا السياق كيف تري موقف منظمة الايكواس المتشدد ضد المجموعة الانقلابية في النيجر ؟

**لاشك أن هذا الموقف يستند لدعم فرنسا الغاضبة لشدة من الإطاحة بنظام بازوم الموالي  لذا فقد حركت فرنسا أدواتها داخل ايكواس واستغلت نفوذها لتغليب الحل العسكري  انطلاقا من كون النيجر درة التاج الفرنسي في غرب أفريقيا .

لكن هذه المساعي الفرنسي لم تحقق نجاحا فنحن داخل ايكواس نسمع ضجيجا ولا نري طحينا وهو ما لاحظناه بعد انتهاء مهلة “ايكواس” الأولي والاكتفاء بتصريحات متشددة  سرعان ما نلمس تراجعا عنها  وعدم قدرة علي تنفيذ التهديدات بالقيام بعمل عسكري ضد الانقلابيين .

ويعد هذا خطأ  كبيرا من  الايكواس باعتبار أن لغة التهديد لا تجدي كثيرا مع المجموعات العسكرية الإفريقية التي لا تقبل الاستفزاز وفرض الإرادة من الخارج وهو استفزاز استغله قادة الانقلاب لتعزيز السخط الشعبي علي فرنسا وأدواتها في غرب أفريقيا.

 

 وهو ما بدا واضحا في المظاهرات الشعبية الحاشدة ضد تهديدات ايكواس وفرنسا بشكل كرس نوعا من التراجع وتفصيل الحل الدبلوماسي ومحاولات الاحتواء بعيدا عن نهج الهيمنة والنفوذ الاستعماري؟

الرئيس بازوم وقادة الانقلاب

*شهدت مدن النيجر تظاهرات داعمة للانقلاب بشكل لافت فما تفسيرك لهذا الأمر ؟

**الدعم الشعبي الانقلاب في النيجر يعود لنقطتين أساسيتين أولهما حالة الرفض الشعبي لقيادة الرئيس محمد بازوم انطلاقا من أسباب عرقية خصوصا أن بازوم ينتمي المجموعة العربية وهي أقلية في النيجر.

 وهذا ما  جعل الأغلبية الإفريقية من الهوسا يؤيدون هذا الانقلاب ويخرجون في مظاهرات حاشدة تستحضر الصراع العرقي بين العرب والأفارقة والذي يدخل في إطار صراع الهوية والنفوذ ضمن الدول القطرية. 

اما السبب الثاني لهذا الدعم الشعبي الانقلاب فيتمثل في حالة من الشعور بالرغبة في التحررمن فرنسا في ظل وجود مناخ عام يدعم هذا التوجه كون النخبة في النيجر والكثير من الدول الأفريقية منذ الستينات  والسبعينات دارت للأسف في فلك الفرنسيين.

وسعت هذا النخبة  بكل السبل  للأسف للحفاظ علي مصالح الفرنسيين دون المساهمة في حدوث نهضة وتطور وتنمية الوضع في النيجروغيرها .

لذا رأينا الشعب في النيجر يدعم الانقلاب في إطار مسعي التحرر من فرنسا والتخلص من هيمنتها ولكن في المقابل هناك خشية من احتمالات ارتماء النخبة الجديدة في أحضان فرنسا والغرب واقتصار الأمر علي هيمنة مجموعة علي السلطة دون مجموعة اخري بدلا من مساعي التحرر من نفوذ المستعمر السابق  

والوقت هنا وحده  كفيل بتحديد هوية ما يجري في النيجر من كونه رغبة في التحرر ام مجرد صراع علي السلطة.

تراجع الحل العسكري

*ما ذهبت إليه يشير إلي تراجع الحل العسكري للأزمة؟

**لا اعتقد ان الحل العسكري وفرض رغبات القوي الدولية هم الخياران الأقوى لتسوية الأزمة لاسيما واشنطن تخشي أن يقود فشل الحل العسكري لدفع حكام النيجر الجدد للاتجاه نحو روسيا والصين.

وهو ما دفع واشنطن لتبني وجهة نظر متوازنة ونفي تام لأي دور لروسيا أو فاجنر في الانقلاب بشكل يؤشر إلي رغبتها في الوصول لتسوية سلمية خصوصا أن الحل العسكري لن يصب في صالح أي من دول المنطقة .

بل  أن هذا النهج قد يفتح الباب أمام حالة من الفوضى في ظل وجود حركات مسلحة في المنطقة لاسيما أن الدول الداعمة الحل العسكري تعاني مشكلات أمنية وفي مقدمتها نيجيريا العاجزة  عن حسم المواجهة مع بوكو حرام .

وبالتالي فإن الحرب في النيجر دون تفويض من الامم المتحدة ستكون مرهقة جدا حيث ستتيح المجموعات المسلحة حرية الحركة وتوسيع دائرة المواجهة من ثم فلا اعتقد ان الأمور ستذهب إلي المواجهة المسلحة مادامت هناك فرص التسوية السياسية الاحتواء الدبلوماسي ومحاولة التعاطي بهدوء.

النيجر

*ولكن ماذا سيحدث اذا فشلت جهود تحقيق الحل الدبلوماسي؟

**اذا فشلت الجهود الدبلوماسية فلن يبقي الا اللجوء الاتحاد الإفريقي والامم المتحدة ومجلس الأمن للحصول علي تفويض دولي وهو أمرواقصد التفويض يبقي صعبا في ظل الانقسام العالمي بعد الحرب الأوكرانية من ثم فأن كل الخيارات تبدو معقدة في ظل هشاشة النظام العالمي حاليا.

*من المواقف الغامضة من الصراع في الكونغو الموقف الجزائري الرافض الحل العسكري وعودة المسار الديمقراطي كيف تفسر هذا الموقف؟

**الموقف الجزائري من الانقلاب في النيجر يبدو منسجما مع العقيدة العسكرية للجيش الجزائري الرافض للتدخلات الخارجية في شئون دول الجواروهذا لا يعني دعم الانقلاب او تبني موقف سلبي من المسار الديمقراطي.

 لذا نجد الدبلوماسية الجزائرية تؤيد عودة المسار الديمقراطي كذلك وهو موقف ينسجم مع ثوابت الدولة الجزائرية بالتزاماتها الدولية وتحالفاتها فالجزائر مرتبطة بتحالف مع فرنسا واتفاقيات عسكرية لذا وجدنا هذا التوازن في الموقف الجزائري .

*هناك مواقف غامضة جدا من هذا الانقلاب منها موقف تركيا المعروفة بعداء نظامها الحالي الانقلابات؟

**بالنسبة لتركيا فهي وان كانت ترفض الانقلابات العسكرية ولكننا لاحظنا أن تصريحات الرئيس أردوغان بدت مهادنة للمجلس العسكري من خلال تحميل فرنسا مسئولية الأحداث التي تجري في النيجر وكثير من المراقبين يعتقدون أن تركيا ستقف ضد هذا الانقلاب.

 ولكن أنقرة فضلت عدم المواجهة وانتظار مواقف المجلس العسكري لتحديد موقفه من  المصالح التركية خصوصا أن الوجود التركي في غرب أفريقيا يعكس نفوذا ناعما.

*هل من تفسير لهذا الغموض الملحوظ من الجانب التركي ؟

**يجب علينا أن نلحظ معاناة  تركيا من تداعيات عمليات المجموعات المسلحة في غرب أفريقيا فهي لا تستطيع التمدد بشكل مريح نتيجة  عمليات الجماعات الجهادية والقاعدة وداعش وبوكو حرام والذين يشكلون تحديا وصعوبات امام التمدد التركي.

 وبالتالي تركيا تبحث حاليا عن نظم حكم قادرة علي مواجهة هذه الحركات الجهادية حتي تستطيع أن تتمدد وتتحرك بقوة خصوصا أنها لا تمتلك أدوات القوي الصلبة بل هي تتحرك في ظلال المناطق الأمنة.

*في ظل هذا الوضع من يستطيع حسم هذا الصراع الدولي؟

**هناك صراع دولي كبير في المنطقة أطرافه هي أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وكل طرف راغب في تعزيز نفوذه كموسكو وبكين وان لم تكن ضالعتين في الانقلاب الا أنهما طرفان أساسيان في الصراع ولكن هذا لن يغير من المعادلة فواشنطن ستكون صاحبة الكلمة الفصل والنفوذ الأقوي والمستفيد الأول من هذا الانقلاب.

الانقلاب في النيجر

انقلاب النيجر والنظام العالمي الجديد

إلي اين ستنتهي هذه الأزمة وكيف تري تداعياتها علي الصراع الدولي علي القارة السمراء في ظل تراجع النفوذ الفرنسي لصالح  الهيمنة الأمريكية الروسية علي القارة ؟

**الصراع المشتعل في النيجر يعد احد تجليات تشكل نظام عالمي جديد  وبروز قوي صاعدة تختلف عما كان يجري ابان الحرب الباردة حيث يعيش النظام العالمي حالة من الصراع بفعل الحرب في اوكرانيا وظهوربوادر الانقسام الدولي الذي ظهر بوضوح في المشاركة الفاعلة في القمة الإفريقية الروسية في موسكو بحضور الرئيس بوتين رغم استمرار الحرب في اوكرانيا.

*ما أهداف دول إفريقيا من تبني هذا النهج ؟

**هذا النهج يعكس رغبة منها في تموضع سياسي عالمي جديد ينهي الهيمنة الغربية والتبعية لأي قوي في ظل معاناة الدول الإفريقية من ارث استعماري بغيض فالأفارقة يبحثون كما يقال عن ضوء بنهاية  النفق فهم يعتقدون أن أي نظام دولي متعدد الأقطاب افضل لهم من النظام الحالي الذي كرس معاناتهم من الفقر والتخلف والتهميش.

من ثم فلا اعتقد ان القارة خصوصا غربها سيشهد حالة من الهدوء في ظل الصراع الدولي انطلاقا من أن روسيا لن تظل خارج المشهد بل ستتحول لطرف أساسي فيما ترغب واشنطن في تعزيز نفوذها في مناطق كانت خاضعة النفوذ الفرنسي كما جري في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

*برأيك ما الدرس الأهم الذي سيفرزه  وراء الصراع علي الوضع بالنيجر ؟

**لا شك أنه قد  آن الآوان كي يتراجع النفوذ الغربي في القارة السمراء رغم أن هذا الأمر لن يكون سهلا بل سيواجه مقاومة شديدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها إذ  سيبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء أفريقيا تحت سيطرتهم .

 لكن الأفارقة لن يقفوا صامتين بل ستستمر حالة الدفع من قبلهم خصوصا إذ نجحت النيجر في كسر الهيمنة الغربية وحدث التحول سنجد تحولات عديدة في البلدان ودول اخري ومنها السنغال والحبل علي الجرار.

السودان وانقلاب النيجر

**هناك اتهامات بضلوع البرهان في انقلاب النيجر باعتبار أن هناك شريان  دعم لحميدتي من فاجنر يبدأ من النيجر لتشاد لقوات الدعم السريع فهل تدعم هذا الطرح؟

**اتهام السودان بالضلوع في انقلاب النيجر اتهام قد لا يستند للواقع علي الأرض لاسيما أن السودان غارق في مشكلاته وسط عجز عن حسم معركة الخرطوم مع الدعم السريع.

لذا لا أتصور أن هناك دورا الخرطوم في هذا الانقلاب بزعم وجود شريان دعم لقوات حميدتي من النيجر مرورا بتشاد ولكن يمكن القول أن السودان سيكون مستفيدا اذا هيمنت المجموعة الإفريقية علي الوضع بالنيجر وتوقف دعم قوات حميدتى .

ولكن في المقابل هناك مخاوف من هزيمة المجموعة العربية في النيجر قد يجعلها تستميت في جبهة اخري والذهاب للعمل في تشاد والسودان

Please follow and like us:
قناة جريدة الأمة على يوتيوب