د. خالد سعيد يكتب: أيهما أولى؛ تكوين أم الكيان!
العجيب والغريب أن الإخوة المصابين بالارتياب الجماعي «الأحمق» وما تفرع عنه من نظرية الإلهاء والعصفورة؛ يجعلون كل شيء مؤامرة، إلا المؤامرة الحقيقية فإنهم يصدقونها ويقعون في شراكها.
فأمريكا تصطنع الأحداث المؤلمة الدامية التي تزعزها، والنظام يختلق الحوادث المحرجة والمورطة له، وإيران وحلفائها يمثلون مسرحية بأموالهم ودمائهم ليقنعوهم بشيء ما وهمي لا أعرفه، أما والمؤامرة مارة من تحت أنوفهم فهم أغيب الناس عنها وأكثرهم تفاعلاً معها!
أما إنشاء ما يسمى بتكوين، وزجاجة المنكر البارزة في الصورة، والمبالغة في إبراز معاطن الناشطة ناعوت وغيرها، فكل هذا «خطر على العقيدة» يقتضي ردود فعل غاية في المبالغة، وترويج لا مثيل له من إخوة الريب والمؤامرة، وتدشين «مركز تحصين» وأخواته، وإعادة إظهار دعاة ورموز اندثرت أو كادت ولم تعرف بأي دور في رد الشبهات، بل وانتهاز الفرصة لإبرازها على الدعاة الشباب المتخصصين الذين غُيب بعضهم من أمثال أحمد سبيع مثلاً!
ومسلك الشرع هو عدم إفشاء أو إشاعة نزغ الشيطان أو الترويج له، لذلك نهانا البشير النذير ﷺ عن حكاية ما يتراءى لأحدنا من أحلام شيطانية، لكي لا ننشر الأثر الشيطاني المراد منها في واقع الناس، كالذي رأى رأسه يضرب فيتدهده في صحيح مسلم.
وكان يكفي في زمن فات أن ينتصب لرؤوس هؤلاء ورموزهم الثقيلة في الغي والضلال؛ رجال كحجة الدعاة محمد الغزالي، وعبد الصبور شاهين، ومحمد عمارة، وعبد الوهاب المسيري، وأمثالهم حتى تخنس هذه الشياطين الفكرية، وترعوي تلكم الأبالسة العقائدية.
وما كل هذا إلا لخلق معركة دينية جانبية وإلهاء الناس عن العقيدة الحية التي تتمثل في معركة الجهاد على الأرض المقدسة، ويقظة الأمة التي باتت تتململ لتسقط قادتها الخونة، ورؤوسها الحاكمة العطنة، والتخويف على العقيدة التي يبدو أنهم يريدون إيهامك أنها هشة جداً لدرجة أن حفنة من الشياطين الهزيلة ستفتتها، وأن دين الله في خطر حتى كأن حقائقه قد زلزلت زلزالها، وقال الإنسان مالها!
إن من أخطر الأمور وأشدها ضرراً على الأمة في مواجهة خصومها وأعدائها؛ هو إمكان التنبؤ بمساراتها وردود أفعالها، ويساعد على ذلك فهم خصومها جيداً لما تمت برمجتها عليه، وهذا في كل القضايا عموماً، ويرجع إلى افتقار الأمة لقيادة واعية موحدة أو مؤثرة، فمن أنشأوا هذا التكوين أرادوا صرف العداء عن الكيان؛ فهم يعرفون جيداً رد الفعل المباشر من الجماهير الغيورة على دينها!
وكان يكفينا في كل ذلك إظهار حقائق الدين، وخصائص المنهج، ورد أي شبهة تثار بهدوء وروية وإشاعة العلم بها وربما دون ذكر قائليها أو إيلاءهم أي أهمية، فهناك ما هو أخبث وأنكى من ماخور مأجور كتكوين، وخذ بالأخبار دعاة الضلال، من الشيوخ الرسميين وعلماء السلطان الذين يزيفون حقائق الإسلام وينقضونها عروة عروة كل يوم باسم الاسلام، فهؤلاء أقرب للقبول والتصديق عند الناس!
يا سيدي تقول العامة عندنا عن جموعها: جائعين وكفرانين -من الكفر- وربما قالوا فقرانين وكفرانين، وصدقوا في كل ذلك، فالفقر والجوع أخو الكفر، ومفتاح كل الشرور والموبقات والفواحش والآفات الاجتماعية!
فالصواب هو شن الغارة على من جوع الناس وأفقر الناس وأضل الناس، بل وسمح وأنفق ومرر وبارك إنشاء هذا التكوين السرطاني وغيره، والأجدر نشر عقيدة الولاء والبراء وإعلاء سقف الأمة وأهدافها وغاياتها وقضاياها الجسام، وقد قامت سوق الجهاد في أرض المحشر والمعاد، وهي المراد فض الناس عنها، وهي والله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا والله ما كسدت فيبتاعها بالنسيئة المعسرون.