مقالات

د. محمد أكرم الندوي يكتب: دام مجدك يا بلاد الشام!

انتبهت صباح السبت سابع جمادى الآخرة سنة 1446هـ، على تسجيل من تهليلات وتكبيرات مدوية من جامع الايمان في وسط دمشق قبل صلاة الفجر،

وقد زرته وحضرت فيه بعض الدروس خلال رحلتي إليك يا بلاد الشام يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الآخرة 1426هـ المستمرة إلى يوم الاثنين الرابع والعشرين من رجب 1426هـ،

فاستبشرت خيرا وتفاءلت بالإيمان وجامعه، وطربت للتهليلات والتكبيرات طربا دونه طرب نوادي الرقص والسماع، وسكرت منهن سكرا دونه سكر الخمر والراح، وتعلقت الدموع بالشؤون بل انحدرت منها انحدار اللآلي.

تنادوا وقالوا: مضى الذي مضى، مذمومة خلاله، غير مبارك هو وآله، ولا حميدة فعاله، مضى وبينه بين البشر والابتهاج عداء، وبينه بين الذمم والمواثيق شحناء، أنبأنا الثقات المتقنون بفرار العاتي العنيد، والجبان المعتاد حيف الضعيف،

فيا حبذا ذلك النبأ اليقين!

وهل تنجو النماردة والفراعنة في عز ملكها وذروة شوكتها أن يظهر الدهر لها ما خبأ، تبا للظلم وأعوانه،

وتعسا للجور وأعيانه، لقد هوى الظلام، وباد القتام، وحسر الصباح عن نقابه وكشف عن حجابه، لا إله إلا الله،

انفرد بسلطانه فما له في آلائه من قرين، وهو الغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

صحوت وقد اكتسحت موجة من الابتهاج بلاد الله من أقصاها إلى أقصاها وسط هتاف صاعد:

يا بلاد الشام احتفلي بالنصر العزيز، وعيشي ممتعة بفرحات مستجدة ونعم متكررة، دائمة كل صباح ومساء،

ليكتنفك السرور والفرح، ولا يفتك الإبريق والقدح، قد وافاك فتح فانعمي سليمة الأقطار،

واعلمي أن الفتح لا يصبح بساحة قوم لم يبيتوا في محنة وابتلاء.

ألا يا هبوب الرياح! قم على مجالس شيوخي ببلاد الشام ممن قرأت عليهم وسمعت منهم،

واستجزتهم أو استجازهم لي محمد الرشيد وأمثاله، واشهد لهم بالفرج المبين، شيوخ وأصحاب لم يقارنوا في الوفاء والفضل،

كلما غشيتهم حمدت بشاشة بشرهم، ورضيت الذي كانوا يأتون من القول والفعل.

بلغ التهاني لمعالم الشام

وبلِّغ التهانئ إلى الجامع الأموي، ونهر بردى، وساحة الأمويين، والسوق الحميدية، وجبل قاسيون، ونوى، وحمص، والرستن، وحماة، ومعرة النعمان، وإدلب، وحلب،

وعرِّض بتلك البقاع الميمونة اسمي، وأقرئهن عني السلام، وقل لهن: إني عنكن غير غائب،

وإني لأشجانكن وأفراحكن لمشارك، وإن سألنك عني فقل لهن: به غبَّر من دائكن وهو صالح.

يا نسيم الصباح! اغشينَّ المجلس الذي يضم أبا الهدى اليعقوبي، وعلاء الدين الفرفور، ووائلا الحنبلي، وعمر ذاك النشوقاتي،

وأحبة سواهم، أخلاقهم كالغمام يبرق بريق الوجه الوضاح، وانهلنّ كأسا أو كأسين من ذلك الشراب الذي لا تنسى لذته،

ولقد شفى نفسي إذ قيل لي: إن أحمد عاشور كان مدمنا له إدمان الندامى لبنات الأعناب، لله ذلك العهد ما أنضره،

إذ جاور الغرباء فيه من حضره، أولئك أخلاء لا أرضى لهم بدلا، ولا من تلك الديار بلدا، ما أطيب الحجاز،

وما أطيب الشام، سقى ربوعها سح السحاب وهاطله، ووصلها معروف الله ونائله.

د. محمد أكرم الندوي

عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى