محمد صالح يكتب: غـزة وسوريا.. القتلُ بخنجر أميركي
لو نظرنا نظرة فاحصة إلى الحروب التي تحدث في منطقتنا الإسلامية، والمجازر الشنيعة التي يتعرض لها المسلمون في مناطق مختلفة من العالم، لرأينا أن الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عنها بالمجمل، وحَسبُنا أن نضرب مثالاً على ذلك ما جرى في سوريا وغـزة، ليس باعتبارهما الجريمتين الوحيدتين لأمريكا، إنما لأنهما أحدث المآسي التي تسبّبت بها هذه الدولة الدموية المتوحّشة.
لقد قدّمت الولايات المتحدة دعماً واسعاً لنظام الأسد، منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، ومكّنته من ارتكاب ما يشتهي من مذابح، وها هي اليوم تمدّ الكيان المحتل في فلسطين بالأسلحة النوعية، وسط استمرار نزيف الدماء في غزة؛ فقد كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة 1/12/2023، بأن الولايات المتحدة زودت (إسرائيل) عقب هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر بقنابل ثقيلة خارقة للحصون وعشرات الآلاف من الذخائر والقذائف للمدفعية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، قولهم إن الولايات المتحدة قدمت لـ(إسرائيل) نحو 15 ألف قنبلة و57 ألف ذخيرة للمدفعية، ومن بين ما تم توريده 100 قنبلة خارقة للحصون من نوع BLU-109، يبلغ وزنها نحو 875 كغ.
لم تقف أميركا عند هذا؛ بل إنها تقدم دعماً سياسياً للاحتلال الإسرائيلي، من خلال تأكيدها المستمر بأن الكيان له الحق بالدفاع عن نفسه، وأن واشنطن ستواصل دعمها لدولة الاحتلال لتجنب تكرار ما حصل في معركة طوفان الأقصى، يوم 7 من تشرين الأول.
أما في سوريا، فنظراً لطبيعة الصورة التي رسمتْها لنظام الأسد منذ إيصاله إلى السلطة عام 1970، وهي أنه نظام «ممانع» و«مناهض للغرب»، فلم تقدّم الولايات المتحدة دعماً علنياً للأسد؛ بل انتقدته إعلامياً وفرضت عليه عقوبات «شكلية»، لكنها ساندته عن طريق وكلائها باستراتيجية «الإمداد والتقييد»، أما الإمداد، فقد اتفقت مع روسيا على دخولها لسوريا، وسمحت لإيران وميليشياتها بمؤازرة النظام، لتشكيل جبهة عسكرية قوية تحارب الثوار، وأما التقييد، فقد منعت إدخال الأسلحة الثقيلة للثوار، بما فيها مضاد الطيران، وسيطرت على قرار الفصائل عبر الدول الإقليمية لمنع تشكيل أي خطر على النظام وحصر المعارك في الأطراف، وفي مناطق هامشية، لا تؤثر على عصابة الحكم في سوريا، ما مكّن الأسد من استعادة السيطرة على نصف مساحة البلد بعد أن كان على وشط السقوط.
نعم هذه هي الولايات المتحدة، التي وافقت الفصائل العسكرية في الشمال السوري على إيقاف القتال والسير في حلولها السياسية، وهي نفسها التي لا تزال تنسّق معها المعارضة السورية المصنّعة خارجياً (الائتلاف الوطني) وترجو منها الخلاص، وتطالبها بتطبيق القرار 2254، الذي هو أساساً قرار أميركي لتثبيت النظام والحفاظ على مؤسسات الحكم الأمنية والعسكرية، فيا لَغباء؛ بل عمالة هؤلاء الذين يطلبون الرحمة من المجرم، ويبتغون الدواء من منبع الأمراض، ويرجون الحل من مصدر الأزمات!
روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال: «نصف النصر أن تعرف خصمك أحسن مما تعرف نفسك»، وإنه إذا كانت معظم القوى السياسية والعسكرية في الثورة السورية قد انحازت لأميركا والتزمت برؤيتها في الحل، فإنه يجب على الحاضنة الثورية، والجماهير الرافضة للنظام، أن تعرف الولايات المتحدة، وتدرك عداءها للثورة، وأنها المتسبّب الأول بجريمة القتل والتهجير، فترفض أي حل منها، وتسقط كل من يروّج للتسويات الأميركية.
وقبل أن أختم أذكّر بقاعدة مهمة سطّرها التاريخ ورسّختها الأيام: «مهما كانت ضريبة التغيير الجذري كبيرة، فإن ضريبة القبول بالحلول الجزئية أكبر».
محمد صالح/ ناشط سياسي.