مقالات

د. جمال أبو حسان يكتب: أمة تبول على تاريخها

هذا عنوان مقال لكاتب سوداني في جريدة سودانية قرأته له في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهو يقصد عمليات الهدم لآثار الصحابة في السعودية وإقامة دورات مياه مكانها تتبع للحرم المكي! وأنا اليوم أستميح الكاتب لآخذ عنوان مقاله لكني أضيف عليه أن الأمة تعمل شيئا آخر غير البول على تاريخها، فهل عرفتموه؟ إنه لا يخفي على فطانتكم!

أمة كتب لها أن تفيق من ركام جاهلية جثمت على صدرها قرونا طويلة حتى جاءها الإسلام، هذا الدين العظيم الذي حمله أعظم شخص خلقه الله، وأحب خلق الله إلى الله، فصنع بهذا الدين أمة عظيمة تغنى بها التاريخ عدة قرون، ثم داخلهم حب الدنيا والتنازع عليها، فأفقرتهم الدنيا وجعلتهم مزقا لا يقدرون على إدارة أنفسهم، وما أجمل ما قال القائل:

يا طالب الدنيا الدنية إنها……….شرك الردى وقرارة الأقدار

دار متى أضحكت في يومها……….أبكت غدا تبا لها من دار

هذه الدنيا جعلتنا مزقا وطوائف يعادي بعضنا بعضا، وكنا في تاريخنا نقرأ عن ملوك الطوائف في الأندلس والمغرب العربي، ونضحك على حالتهم واليوم بدل ملوك الطوائف ملوك دول مصطنعة فما الفرق؟

كنا في مناهجنا الدراسية نقرأ عن نابليون بونابرت وعن الإسكندر المقدوني وعن رموز الاستعمار الحديث أكثر مما نقرأ في تاريخنا عن الأبطال المسلمين!!

كنّا نُعَلّم في المدارس القديمة وليست القديمة كثيرا، بل من ثلاثين سنة أو أزيد عن قصة خيالية اسمها ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض، فما اتعظنا بالحقائق حتى نتعظ بالخيال!

كان مدرسونا يحفرون تاريخ أمتنا في أذهاننا على الرغم من وضع المناهج، ولكن المدرسين اليوم يراد لهم أن يحفروا تاريخ الاستعمار، وتاريخ عداوة الغرب للإسلام والمسلمين، لا لتحفر في نفوسنا عداوتهم، ولكن لنسعى إلى إرضائهم وعدم الاصطدام معهم خشية على مكتسبات الحياة!

كان زعماء اليهود يتكلمون فيما يكتبون عن أنهم لا يخشون الدول العربية ولا جيوشها إنما يخشون شباب الحركات الإسلامية الملتزمين بدينهم، هذا هو عدو الصهاينة الحقيقي، فبدل أن نربي أبناءنا تربية الجهاد التي يتربى عليها أبناء الحركات الإسلامية الملتزمة بدينها وحب أوطانها، صرنا نحارب مع اليهود هذه الحركات! فما أبقينا شبابا مدافعا عن دينهم ولا أوطانهم، ولا أرضينا العدو عنا، لأن الصهاينة لا يرضون إلا أن نترك ديننا ونهجر أوطاننا ليخلو لهم الجوفي بلادنا، لم تعظنا حوادث التاريخ المماثلة، ولا قراءتنا عمن باع دينه وشرفه وتعاون مع الأعداء في سبيل ضرب المسلمين لأنه ظن أن هذا الالتئام مع العدو سيوفر له الأمن والأمان، وما قرأنا في التاريخ عن خليفة بغداد الذي رضي بتسليم بغداد للتتار وإعطائهم ذهب الدولة الإسلامية، حيث بقي حبيس الكيس تدوسه الأرجل حتى مات غير مأسوف عليه، وما ارّقتنا أحوال المسلمين في بعض البلدان يوم رضوا أن يتعاونوا مع التتار لحرب الفئة المؤمنة والقضاء عليها، فلما قضى التتار على الفئة المؤمنة بمساعدة الخونة، التفت التتار إليهم ووصموهم بالذين خانوا أهلم فقتلوهم جميعا عن بكرة أبيهم بعد أن أقنعوا أنفسهم أنهم بالقضاء على المجاهدين سيعيشون العيش الرغيد!، لم يردعنا تاريخنا على أن نتعظ مما جرى لمن باع دينه ووطنه في سبيل إرضاء عدوه، ولا زلنا نكرر تلك المآسي وكأننا ليس عندنا تاريخ يوقظ في نفوسنا كل همة ويحفزنا إلى كل عال.

أرأيتم أننا نبول على تاريخنا! بل ونعمل مع البول عملا آخر!! فمتى نستيقظ؟

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights