الأربعاء مايو 8, 2024
أقلام حرة

مجدي المغربي يكتب: عن الناس في قطاع غزة

مشاركة:

ثمة أمر خطير يجب أن يتنبه له الجميع، وهو أنّ الناس في قطاع غزة، مثلهم مثل غيرهم من الناس من جهة اختلافهم في مستويات إيمانهم، أو وعيهم، أو صبرهم، وكذلك خلفياتهم الفكرية والسياسية والتنظيمية، وإنْ كان الجميع قد اتفقوا ظاهرًا، والأكثرون ظاهرًا وباطنًا، على تأييد طوفان الأقصى والفرح به، إلّا أنّ هناك عوامل يمكن، بل لا أذيع سرًا، إنْ قلت: إنَّها قد بدأت فعلًا تؤثر على بعض الناس، وبدأنا نسمع ما لا يسر.

وأحسب أنّ حجم الضغوطات المعيشية الهائل على الناس، لا سيما النازحين، وبعض مَن يستضيفون أعدادًا منهم في بيوت تحتاج إلى كميات كبيرة ومضاعفة من الخدمات والمرافق على مدار الساعة، لا سيما وأنَّ المُضِيفين كانوا-أصلًا-بالكاد يتدبرون أمورهم قبل الطوفان، فلا يخفى على الجميع الحال الاقتصادي لغزة من قبل.

وفضلًا عن صعوبة أماكن الإيواء، سواء في المدارس أو بعض المحلات التجارية، أو خيام(اسمًا)لا حقيقة في ساحات المدارس والجامعات بعد أن اكتظت غرفها وكل زاوية من زواياها بالمقيمين، حتى التصقت خيامهم بكل  جدار قائم، والخيام عبارة عن قطع من النايلون أو الشوادر الملفقة، لا تكاد تحمي من بردٍ ولا مطر، ويمكن أن تزيلها أبسط ريح أو عاصفة، ويتكدس فيها أسر برجالها  ونسائها وأطفالها فهي أمتار قليلة ربما احتوت العشرين وأقل أو أكثر، وفيها النوم والمطبخ والصالة، وأمّا الحمّام وأماكن قضاء الحاجة، فهذه أمّ المصائب للرجال فضلًا عن النساء، فليس هناك ما يستوعب أعداد الناس الهائلة، فهناك طوابير لقضاء الحاجة، مع عدم توفر الماء في أكثر الأحيان، وقلة النظافة، وأمّا الاستحمام فيحتاج إلى خطة عسكرية وتخطيط حتى تغتسل.

ومع ضعف المساعدات جدًا، فهي كقطرة واحدة تلقى في جوف عَطِشٍ في صحراء لاهبة، أصبح الحصول على بعض ماء الشرب أو الاستعمال يحتاج–والله–لساعات من الانتظار في طابور، ومثله الحصول على بعض الأرغفة التي تخبز الآن على الصاج(وقلما تكون ناضجة لشدة الزحام وتكثير المخبوز)فقد توقفت جميع المخابز عن العمل لعدم توفر الغاز. وهذا الهمّ، ليس لمرة واحدة في الشهر أو الأسبوع، هذا همّ يومي يتكرر معك كل صباح يوم، فالناس لا يبدأون معاناة الاصطفاف في الطوابير من ساعة معينة، فالاصطفاف متصل على مدار الساعة لا سيما طوابير الماء، وهذا يولّد حنقا وتذمرا، وأحيانا ألفاظًا غير لائقة، لا سيما وأن هناك من فئات غير معتادة على أي صورة من صور التعب والمعاناة في حياتها وكأنّها الآن تعيش خيالًا وحلمًا، لا واقعًا وحقيقة. وحتى شراء بعض حبات الفلافل (كوجبة لا تحتاج لطبخ ونفخ)يحتاج إلى انتظار طويل.

وإن أردت التنقل داخل المحافظة من مكان لآخر، فالمواصلات همّ وحكاية، وتحتاج لانتظار طويل وأسعار مضاعفة، وأكثر ما يعمل من سيارات الأجرة سيارات المرسيدس، لأنها في غزة فقط-دون العالم كلّه-تعمل بزيت الطعام بدل السولار. أضف إلى ذلك قلة أو انعدام المال عند كثيرين جدًا، فيهون عليهم أن يكونوا ماتوا أو قتلوا لما يشعرون به من ذل الحاجة والمهانة بعدما كانوا أغنياء أو موسرين.

وهذا مع ما يحمله أكثرهم من مصائب من مثل هدم البيوت أو استشهاد الأهل والأقارب لكن عجلة الأحداث لم تسمح لهم الآن بالتوقف كثيرًا عندها وانشغلوا عنها بالهموم المعاشية لليوم والليلة.  

وهناك أمر ضاغط آخر، قد لا يلتفت إليه البعض، وهو جرحى الحرب الذين لا يتمكنون من العلاج، ومع أن بعضهم جراحه يسيرة، لو تم علاجه لشفي أو استقر حاله وتحسن ولكن تأخر العلاج قد يؤدي إلى الوفاة أو إلى مضاعفات خطيرة والحديث هنا عن آلاف الجرحى من المواطنين والمجاهدين.

وثمة صورة أخرى من صور الهمّ الكبيرة والمعاناة وهي لأصحاب الأمراض المزمنة كالسرطانات وغسيل الكلى وغير ذلك وهم بالآلاف. وهناك أمراض طارئة تحتاج إلى عمليات يسيرة، لكن عدم إجرائها قد يتسبب في أضرار كبيرة أو الوفاة أو العمى، كالزائدة مثلا أو بعض أمراض العيون أو القلب.

فيجب أن ننتبه إلى أن المجتمع ليس في المستوى الإيماني الذي يجعله يستوعب ويحتمل ما احتمله الصحابة–رضي الله عنهم–وأن ما سلف ذكره، قد، بل هو أصعب من الموت والقصف عند كثير من النفوس، وهذا يترتب عليه إضعاف في الجبهة الداخلية، وسماح بتسرب ودخول التثبيط والفرقة والإحباط، والتخلي والابتعاد أكثر، بل، وربما معاداة ولعن خندق المقاومة وهذا هدف لليهود وحلفائهم، وقصة جيفارا مع المزارعين معروفة.

وهنا نطلقها صرخة مدوّية في أذن كل مسلم، أن سارعوا بإسناد ودعم المواطنين في غزة وادعموا صمودهم وداووا جراح أبدانهم وأنفسهم، وليكن دعما لائقا يعين على تثبيتهم وسترهم ويخفف عنهم من معاناتهم المتعددة الجوانب والصور، الآن الآن، ولاحقا في إعادة تأهيل بيوتهم ومرافقهم وإعمارها من جديد، فهم خط الدفاع الأول عن الأمّة في وجه مخططات وخطر بني صهيون، فإن انهار هذا الخطّ فاعلموا أن الدور عليكم وستذكرون بعد حين غزة وفضلها.

نسأل الله العظيم أن يثبتنا على الحقّ، وأن يفرّج الكرب.

مجدي المغربي/غزة

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب